وإلى الإخلاص في معرفته وطاعته مجنونا قد غطّى على عقله فلا يدرك الأمور ، وهذا أيضا من جواب القسم الذي يفيد أن القرآن نزل به جبرائيل الأمين عليهالسلام ، وأن محمدا صلىاللهعليهوآله ليس بمجنون بحسب ما يريده به كفّار مكة (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) أي أن محمدا صلىاللهعليهوآله رأى ان جبرائيل عليهالسلام بحسب صورته التي خلقه الله تعالى عليها حيث تطلع الشمس ، وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق كما عن قتادة وغيره (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) أي : ليس ببخيل فيما يؤدّي عن الله تعالى فهو يعلّم النبيّ كما علّمه الله تعالى. وقريء بظنين ـ بالظاء لا بالضاد ـ أي : وليس هو بمتّهم على وحي الله تعالى ، وعلى ما يخبر به عنه لأنه صادق أمين (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) أي ليس هذا القول بقول شيطان ملعون ، رجمه الله باللعنة كما يرجم بالشّهب ، فقد قال المشركون إن الشيطان يلقي إلى النبيّ بهذا القول ، فوبّخهم الله تعالى وأنّبهم بقوله : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) أي فيما هذا المسلك الذي تسلكونه وهذا المذهب الذي تذهبون ولم تميلون عن هذا القرآن الذي هو هدى وشفاء من عمى الكفر (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أي ليس القرآن سوى موعظة للخلق وعن طريقه يتوصلون الى الحق (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) وإنه سيكون كذلك لمن أراد منكم الاستقامة على أمر الله وطاعته ، فإنه هو الوحيد الذي يستفيد من تذكير القرآن (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي وما تريدون الاستقامة على الحق إلّا إذا أرادها الله تعالى لكم لأنه خلقكم لها وكلفكم بها فمشيئته قبل مشيئتكم. وقيل إنه خطاب للكفّار : أي لا تشاؤون الإسلام الّا ان يشاء الله إجباركم عليه وإلجاءكم إليه ، ولكنه لا يفعل لأنه يريد أن تؤمنوا مختارين لتستحقوا الثواب ، كما أنه قيل : وما تشاؤون الإسلام إلّا أن يشاء الله أن يلطف لكم في اعتناقه ، والله تعالى أعلم.