تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطّي البياض ، فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا ، وهو قول الله تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) ، الآية ... وفي المجمع عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : نعيد القلب فإذا ذكّرته بآلاء الله انجلى عنه. (كَلَّا) أي : لا فإنهم لا يصدّقون كما عن ابن عباس ، ثم استأنف فقال : (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) أي أن هؤلاء الفجّار يحال بينهم وبين رحمة ربّهم وإحسانه يوم القيامة ويحرمون من كرامته ويدفعون عن ثوابه (ثُمَّ إِنَّهُمْ) بعد ذلك (لَصالُوا الْجَحِيمِ) أي أنهم يلازمون حرّ جهنّم وهم غير مفارقيها بحيث يصيرون صلاها يعني وقودها (ثُمَّ يُقالُ) لهم تقريعا وتوبيخا : (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) أي هذا هو العقاب الذي أنكرتموه في دار الدنيا واعتبرتم الوعد به كذبا فلم تؤمنوا به فذوقوه الآن.
* * *
(ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨))
١٧ ـ ٢٨ ـ (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ...) بعد أن بيّن سبحانه حال الكفّار والفجّار ، قال : كلّا ، أي حقّا إن كتاب المطيعين العاملين بما يرضي الله تعالى في (السماء السابعة) حيث أرواح المؤمنين وصحائف