والآخر بالشام ، والآخر بفارس حرقوا بالنار ، أما الذي بالشام فهو أنطياخوس الرومي ، وأما الذي بفارس فهو بخت نصّر ، وأما الذي بأرض العرب فهو يوسف بن ذي نواس. فأما من كان بفارس والشام فلم ينزل الله تعالى فيهما قرآنا وأنزل في الذي كان بنجران. وذلك أن رجلين مسلمين ممن يقرءون الإنجيل ، أحدهما بأرض تهامة ، والآخر بنجران اليمن. أجرّ أحدهما نفسه في عمل يعمله ، فجعل يقرأ الإنجيل فرأت ابنة المستأجر النور يضيء من قراءة الإنجيل ، فذكرت لأبيها ، فرمق ـ أي أطال النظر إليه ـ حتى رآه ، فسأله فلم يخبره. فلم يزل به حتى أخبره بالدّين والإسلام فتابعه مع سبعة وثمانين إنسانا من رجل وامرأة. وهذا بعد ما رفع عيسى (ع) إلى السماء. فسمع يوسف بن ذي نواس بن شراحيل بن تبّع الحميري ، فخرّ لهم في الأرض وأوقد فيها فعرضهم على الكفر فمن أبى قذفه في النار ، ومن رجع عن دين عيسى لم يقذف فيها ، وإذا امرأة جاءت ومعها ولد صغير لا يتكلّم ، فلمّا قامت على شفير الخندق نظرت إلى ابنها فرجعت ، فقال : يا أمّاه إني أرى أمامك نارا لا تطفئ ـ أي نار جهنم المعدّة للكافرين بالله تعالى ـ فلمّا سمعت من ابنها ذلك قذفت بنفسها في النار فجعلها الله وابنها في الجنة ، وقذف في النار سبعة وسبعون إنسانا.
وقال ابن عباس : من أبى ان يقع في النار ضرب بالسّياط فأدخل الله أرواحهم في الجنّة قبل أن تصل أجسامهم إلى النار.
ف (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) معناه : لعنوا بحرق الناس في نار الدنيا لمجرّد أنهم كانوا مؤمنين بالله. وفي هذا ثناء على من رموا بأنفسهم في النار ومدح لحسن بصيرتهم وصبرهم على (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) وكلمة (النَّارِ) بدل من الأخدود ، وهو بدل اشتمال لأن الأخدود يشتمل على ما فيه من النار ـ. وعبارة (ذاتِ الْوَقُودِ) صفة له. وهذه العبارة تعطي أنهم قد جمعوا لتلك النار كثيرا من الحطب إذ عبّر عنه بذات الوقود تعظيما لوقودها إذ أن