صدرك (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) أي حططنا وأنزلنا عنك الثقل (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أي الذي أثقله حتى كان له نقيض أي صوت تعب. وقالوا أراد بذلك تخفيف عبء النبوّة التي يثقل القيام بها فقد سهّل الله تعالى له أمرها. وكلّ شيء أثقل الإنسان وغمّه وأتعبه يمكن أن يسمى وزرا ، ولذلك تسمى الذنوب أوزارا لأنها تغم صاحبها وتثقل كاهله. ثم وعد سبحانه وتعالى نبيّه (ص) بالرّخاء بعد الشدّة فقال : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) أي إن مع الفقر سعة وغنى أو إن مع الشدة والضّيق فرجا ، وذلك بأن يظهرك الله تعالى على المعاندين والكافرين وعلى أعدائك من المشركين وينصرك عليهم فتقتل جبابرتهم وينقاد بعضهم للحق طوعا أو كرها (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) كرّرها سبحانه للتأكيد على ذلك. وقد قال الزّجاج : إنه ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثنّى ذكره فصار المعنى : إن مع العسر يسرين ، وقال الفرّاء : إن العرب تقول : إذا ذكرت نكرة ثم أعدتها نكرة مثلها ، صارتا اثنتين ، كقولك إذا كسبت درهما فأنفق درهما ، فالثاني غير الأول ، فإن مع العسر يسرين فلا يحزنك ما يقوله الكافرون والمشركون ، فإنك منتصر عليهم وأنا منجز لك ما وعدتك ، وهذا الذي كان بالضبط ، فقد فتح الله تعالى عليه الحجاز واليمن وصار يعطي العطيّات ويهب الهبات ويعطي فيغني (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) أي إذا انتهيت من أمر الصلاة المكتوبة فانصب وأتعب نفسك بالدّعاء والتضرّع إلى الله تعالى (وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) أي أقبل عليه وأطمع فيما عنده من الرحمة. وقد قال الإمام الصادق عليهالسلام : هو الدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس. وقيل في معناه أيضا : إذا فرغت من أمور الدنيا ، فانصب في عبادة ربّك ، كما أنه قيل : فإذا فرغت من جهاد أعداء الله فانصب بالعبادة لربّك ، وارفع حوائجك إلى الله وحده ولا ترفعها لأحد من خلقه وارغب إليه بطلباتك.
* * *