إِذا وَقَبَ) يعني واستعذ من شرّ الليل الهاجم بما تستر ظلمته من كائنات ضارّة لأنه موعد خروج السباع والهوامّ. وقد عبّر سبحانه عنه بالغاسق لهجومه شيئا فشيئا لأن الغسّاق سمّي بذلك لسيلانه ، ولأن العين إذا سال دمعها قيل ، غسقت ، فالليل يغسق ويهجم وتنساب ظلمته إذا وقب ، أي إذا دخل. فالغسق الجريان والهجوم ، والوقب الدخول (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) أي من شر الساحرات اللواتي يقرأن وينفثن في عقد الخيط الذي يرقينه ليتمّ السّحر. وقد أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بالتعوّذ من شرّ السّحرة لأنهم يوهمون الناس بأنهم ينفعون ويضرّون ، ويمرضون ويشفون فتصدّقهم عامة الناس ، فأمره (ص) هو أمر لسائر الناس ليتعوّذوا من شرّهم الذي يتوهمونه (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) والحاسد هو الذي يتمنّى زوال النّعمة عن صاحبها وإن لم يردها لنفسه ، وهو مذموم ، وعكسه الغبطة المحمودة التي هي تمنّي النّعمة لنفسه كما هي لصاحبها من غير أن يريد زوالها عن صاحبها. فالحسد يؤدي إلى إيقاع الشر بالمحسود ، فأمر سبحانه بالتعوذ من شرّ الحاسد ، وقيل من شرّ نفس الحاسد ، ومن شرّ عينه فإنه ربّما أصاب بهما فأضر. وقد جاء في الحديث أن العين حق ، وقد أشرنا إلى ذلك فيما مضى. وروي أن النبيّ صلىاللهعليهوآله كان كثيرا ما يعوّذ الحسن والحسين عليهماالسلام بهاتين السورتّين.
* * *