غيره. وخصّ الناس دون غيرهم مع أنه إله جميع الكائنات ، لأن في الناس كبراء وعظماء فأخبر بأنه ربّ كل عظيم وكل كبير وإن عظم هذا أو كبر ذاك ، وكذلك هو ملك الناس وإن كان منهم ملوك ، وأمر نبيّه (ص) وأمّته بأن يستعيذوا به تعالى من شرّ الناس. وقد قال جامع العلوم النحوي : ليس قوله (النَّاسِ) تكرارا ، لأن المراد بالأول (الأجنّة) ولهذا قال : بربّ الناس لأنه يربّيهم ، والمراد بالثاني (الأطفال) ولذلك قال : ملك الناس ، لأنه يملكهم ، والمراد بالثالث (البالغون المكلّفون) ولذلك قال : إله الناس ، لأنهم يعبدونه ، والمراد بالرابع (العلماء) لأن الشيطان يوسوس إليهم ولا يريد الجهّال لأن الجاهل يضلّ بجهله وإنما تقع الوسوسة في قلب العالم. أما قوله (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) فمعناه من شرّ الوسوسة الواقعة من الجن ، أو هو : من شر ذي الوسواس الذي هو الشيطان الذي وصفه سبحانه بقوله : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أي ينفث في قلوبهم كلاما خفيّا يصل مفهومه إليها من غير أن يكون قول ومن غير أن يكون سماع. ثم ذكر أن الشيطان الموسوس قد يكون (مِنَ الْجِنَّةِ) الذين هم الشياطين (وَ) قد يكون من (الناس) فاستعذ من شرّ الإنس والجن وقوله تعالى (مِنَ الْجِنَّةِ) بدل من قوله (الْوَسْواسِ) فكأنه قال : أعوذ بالله من شر الجنّة والناس. وإن شئت قلت : من شرّ الوسواس الواقع من الجنّة بما توسوسه في الصدور ، فيكون فاعل (يُوَسْوِسُ) ضمير (الْجِنَّةِ) وإنما ذكر لأن الجنّة والجنّ واحد.
وفي هذه السورة المباركة والسورة التي سبقتها دلالة على أنه لا ضرر ممّن يتعوّذ به ، وإنّما الضرر كلّه ممّن يتعوّذ منه ، وهو سبحانه يكفي الشرور بهاتين المعوّذتين ، ولولا ذلك لما دعا سبحانه النبيّ إلى ذلك. وفي المجمع أن أبا عبد الله عليهالسلام قال لعبد الله بن سنان : إذا قرأت قل أعوذ بربّ الفلق ، فقل في نفسك : أعوذ بربّ الفلق. وإذا قرأت قل أعوذ