إن النّذر جمع نذير يكون المعنى أنهم كذّبوا جميع الرّسل بتكذيبهم لصالح عليهالسلام ، لأن من كذّب نبيّا فكأنه كذّب جميع أنبياء الله تعالى لأنهم داعون للتوحيد ولعبادة الله ولحسن المعاش والمعاد (فقالوا أبشر منا واحد نتبعه) أي كيف نصدّق قول واحد منّا من البشر ونتّبع ما يقوله لنا مع أنه من بني آدم مثلنا؟ (إِنَّا إِذاً) في هذه الحالة (لَفِي ضَلالٍ) خطأ وانحراف عن الحق (وَسُعُرٍ) في عذاب شديد فيما يلزمنا من اتّباعه وطاعته إن نحن صدّقناه. ولا يخفى على العاقل اللبيب أن هذا الاعتذار منهم بهذه الشّبهة ركيك سخيف لأنهم برّروا تكذيب نبيّهم عليهالسلام فتعجّبوا قائلين : (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا؟) أي كيف نزل عليه الوحي واختصّه الله بالنبوّة دون غيره منّا؟ وهذا استفهام إنكار وجحود. لا ، لن يكون ذلك (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) أي كاذب بطر أخذته الكبرياء علينا فادّعى النبوّة. وعلى هذا الكلام البذيء أجابهم سبحانه بقوله المبارك : (سَيَعْلَمُونَ غَداً) سيعرفون يوم القيامة ، وكلّ آت قريب فكأنه يقع غدا وذلك على وجه التقريب. (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) من هو الكذاب رسولنا أم هم؟ وقد ذكر مثل قولهم تماما توبيخا لهم وتحقيرا وتهديدا. أمّا الآن ف (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) أي نحن باعثوها لهم تماما كما طلبوها من رسولنا صالح (ع) قطعا لأعذارهم وجوابا على سؤالهم التعجيزيّ لنجعلها امتحانا لهم واختبارا فينفرد المصدّقون عن المكذّبين بآيتنا العجيبة التي جعلناها تحدّيا لتعنّتهم وعنادهم إذ سألوه أن يخرج لهم من اصخرة عيّنوها ناقة حمراء عشراء تضع ثم ترد ماءهم فتشربه ثم تعود عليهم بمثله لبنا فكانت كما طلبوا (فَارْتَقِبْهُمْ) أي انتظر أمر الله بهم وانظر ما يفعلون (وَاصْطَبِرْ) على أذاهم الذي يصيبك إلى أن يأتي أمر الله تبارك وتعالى (وَنَبِّئْهُمْ) أي أخبرهم (أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) أي أنه يكون يوما للناقة ويوما لهم (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) أي كل نصيب هو لأهله يحضرونه فلا يحقّ لهم ورود الماء في يومها ، ولا هي تقرب الماء في يومهم ، فلهم في