صار تبنا ، فالعصف هو التّبن الذي تعصفه الريح أي تطيّره عند هبوبها (وَالرَّيْحانُ) هو جميع ما يشمّ من الزهور وغيرها ، وقيل هو الرزق ، والأول أقرب للصواب مع أنهم احتجّوا بأنه لمّا ذكر العصف الذي هو رزق الحيوان ، ذكر إلى جانبه رزق الإنسان ، ولكنهم سهوا عن أنه سبحانه قد ذكر الحبّ قبل ذلك. فهو سبحانه خالق ذلك كلّه بدءا من السماء والأرض ووصولا إلى الإنسان والحيوان والنبات وجميع ما في السماوات والأرض (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟) أي فبأي نعمة من نعم الله تكذّبان ، مخاطبا بذلك الإنس والجنّ. وهذه الآية الكريمة تتكرّر في السورة المباركة مرارا للتقرير بالنّعم التي يذكرها سبحانه ، وللتأكيد والتذكير والتدبّر. فإنه بعد كلّ نعمة يسأل مستنكرا وموبّخا على التكذيب بوحدانيته وبنعمه التي لا يحصيها عد.
* * *
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨))
١٤ إلى ١٦ ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ...) هذا عطف