إنّ الإنسان على نفسه بصيراً : (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ). (القيامه / ١٤)
والرسول وأتباعه على بصيرة فيما يدعون إليه : (قُلْ هَذِهِ سَبِيِلى أَدْعُو الَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى). (يوسف / ١٠٨)
وقد استعملت البصيرة في جميع هذه الموارد بمعنى المعرفة الحاصلة عن طريق العقل قطعاً.
* *
وقد تحدثت الآية الرابعة عشرة والأخيرة عن «الدراية» التي تعني الذكاء والخبرة والاحاطة بالمسائل الخفية أو غير المحسوسة ، حيث قالت : (وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ). (لقمان / ٣٤)
وقد استعملت الدراية في القرآن بصيغ السلب دائماً ، ويفيدنا في هذا أنّ الدراية مرحلة عميقة من الفهم والإدراك لا تحصل لِكلِّ إنسان.
* *
نستنتج من الآيات السابقة النتائج الآتية :
١ ـ إنَّ القرآن يعتبر العقل من المصادر الأصلية للعلم والمعرفة ، وقد أولاه أهميّة قصوى.
٢ ـ القرآن يدعو الجميع للتعقل والتفكّر في جميع الامور.
٣ ـ التفت القرآن التفاتاً خاصاً إلى ماهيّة الروح الإنسانية وأبعادها المختلفة ، وأكّد على كلٍ من هذه الأبعاد.
٤ ـ عبر القرآن عن نشاطات الروح في مجال إدراك الواقعيات تعبيرات مختلفة ، وقد استخدم واستفاد من كل تعبير في محله.
إلّا أنّ القرآن ذكر موانع عديدة تحول دون الإدراك الصحيح للعقل ، سنبحثها في فصل (حجب المعرفة) إن شاء الله.
* *