محاجتهما ، وكذا الأمر بالنسبة لقوم عاد ، فلم يروهم ولم يروا مدنهم العامرة يومذاك ، وحتى بالنسبة لأصحاب الفيل فإنّ الرسول صلىاللهعليهوآله وُلِدَ في السنة التي هجم فيها (ابرهة) طبقاً للرواية المشهورة ، فلم يرَ شيئاً من الحادث وكذا أكثر المسلمين ، وعلى هذا فالمراد من الرؤية هو التدقيق في تاريخهم.
إنّ ما يلفت النظر هنا هو أنّ الآيات الخمس الاولى ركّزت بحثها على التاريخ المدوّن أي ما جاء في صفحات الكتب التاريخية بينما ركزت الآيات الاربع الأخيرة بحثها على التاريخ التكويني الحي أي الآثار الباقية عن الأقوام الغابرة في بقاع مختلفة من العالم.
من الممكن أن تكون الآيات الثلاث الأخيرة فيها إشارة إلى التاريخ المدون أو التاريخ الخارجي أو كليهما ، ويتضح من مجموع هذه الآيات (وأمثالها في القرآن الكريم) الأهميّة القصوى التي أولاها القرآن لقسمي التاريخ كمصدر للمعرفة والعلم.
إنَّ الله عزوجل يدعو الناس تارةً لأنّ يشاهدوا بأم أعينهم قصور الفراعنة وآثار دمار مدن عاد وثمود وقصور نمرود وأعوانه والبلاد التي جُعِلَ عاليها سافلها التابعة لقوم لوط لكي يعرفوا أنَّ مَصير المتجَبّرين سيؤول إلى هذه النهاية.
وتارة نجد القرآن نفسه يشرح بدقة هذه الحوادث ويسلط الأضواء عليها ويعدُّ العِبَر بعد العِبَر ذاكراً عاقبة (المكذبين) و (الظالمين) و (الكافرين) و (المفسدين) في ضمن بحوثه التاريخية هذه.
في الحقيقة إنّ القرآن تارة يأخذ بأيدي الناس إلى «مصر» ويريهم الآثار التاريخية ويصور لهم الراقدين تحت التراب ويضع أمام أعينهم العروش التي عصفت بها الرياح ، وتارة اخرى يريهم الذين أُركسوا في العذاب وهُدّمت عروشهم ، والخلاصة : فإنّ القرآن يريهم ما خفي عن العيان من قصص الأسلاف.
إنّه يمضي بهم إلى المدن المُخربة كمدينة (سدوم) مركز قوم لوط ليشاهدوا عن كثب ما حلّ بها ومن هناك إلى جنة شداد ، وبلاد بابل ، (مركز حكومة نمرود) ، ومناطق اخرى.
إنّه يجعل من ايوان كسرى في المدائن وزخارف كل قصر عبرة لمن اعتبر ونصيحة جديدة.