وقد يكون بمعنى موهبة تُؤهب من صاحب مقامٍ عالٍ إلى صاحب مقامٍ دانٍ : (انْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ ازْوَاجٍ). (الزمر / ٦)
وقد يكون الانزال بمعنى إِلقاء المعارف الإلهيّة من قِبَلِ الله ، وقد استعمل هذا المعنى في القرآن كثيراً ، وهناك بحث لأئمة اللغة في كون الانزال والتنزيل بمعنى واحد ، أو أنّ لكلٍ معنى يختص به ، فبعض يقول : إنّه لا اختلاف في المعنى بينهما غير أنّ التنزيل يفيد الكثرة فقط (١) ، بينما يعتقد بعض آخر : أنّ «التنزيل» يفيد التدريج ، و «الانزال» يفيد التدريج والدفعي ، واعتمد الراغب في تفريقه هذا على الآية :
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَولَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَاذَا انْزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا القِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنْظُرُونَ الَيْكَ نَظرَ الْمَغْشِىِّ عَلَيهِ مِنَ الْمَوتِ). (محمد / ٢٠)
فالآية تحدثت أولاً عن طلب المؤمنين لنزول آيات الجهاد تدريجياً ، ثم أشارت إلى نزول حكم الجهاد بصورة قاطعة وجامعة ، وعندها ينظر المنافقون إلى الرسول نظر المغشي عليه من الموت.
٣ ـ إنّ «تبيين» اشتقت من مادة «بَينْ» أي المسافة الفاصلة بين الشيئين ، ثم جاءت بمعنى «الايضاح» و «الفراق» ، وذلك لأنّ الفصل بين الشيئين يستدعي هذين الأمرين ، ثم استعملت بعد ذلك لكلٍ من المعنيين بصورة مستقلة ، فتارة تعني «الفراق» واخرى «الايضاح».
وقد جاء في «صحاح اللغة» أن «بين» تأتي بمعنيين متضادين هما ، الفراق والآخر الاتصال ، ويظهر أنّ معناهما في الأصل ـ كما جاء في غير صحاح اللغة ـ هو الفراق ، إلّاأنّ الفراق قد يؤدّي إلى الاتصال بشيء آخر فاستعمالها في الاتصال لأنّه يلازم الفراق.
وعلى أيّة حال فإنّ مفردة (تبيين» جاءت في كثير من آيات القرآن بمعنى الظهور والانكشاف والوضوح ، ولهذا يقال للدليل الواضح والمنكشف «بيّنة» سواء كان عقلياً أو محسوساً ، فيطلق «البينه» على الشاهدين العادلين (اللذين يعتبران بينة محسوسة) ، كما
__________________
(١). وهذا رأي صاحب لسان العرب ، حيث نقله عن ابي الحسن.