مناماً لا شيئاً آخر ، ولنقرأ ما يقوله القرآن في هذا المجال :
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يا بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). (الصافات / ١٠٢)
إنّ التعبير ب «أرى» الذي هو فعل مضارع يفيد الاستمرار يدل على أنّ ابراهيم عليهالسلام كان يرى الرؤيا كراراً ، بحيث حصل له اطمئنان بأنّ الأمر من الله ، ولهذا أجابه اسماعيل بهذا الجواب : (يَا أَبتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
ولهذا السبب نفسه جاء في الآيتين : (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا) (الصافات / ١٠٤ ـ ١٠٥)
والحادث هذا ، دليل واضح لأولئك الذين يقولون بامكانية عد الرؤيا الصادقة نوعاً من أنواع الوحي للانبياء والرسل ، كما أنّه قد جاء في بعض الروايات : «إنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءً من النبوة» (١).
وقد شكك بعض الاصوليين في مسألة نسخ الحكم قبل العمل به إلّاأنّ كلامهم ـ وكما ذُكِرَ في محله ـ يختص بالأوامر غير الامتحانية ، أمّا في الامتحانية فهو غير صادق ، والتعبير ب «قد صدَّقَتْ الرؤيا» دليل على أنّ إبراهيم عليهالسلام قد أدى ما عليه بما جاء به من تهيئة المقدمات لهذا الإيثار الكبير.
٤ ـ ومن الرؤى الصادقة في القرآن ، هي رؤيا يوسف في بيت أبيه ، حيث أشارت إليها الآيات الاولى من سورة يوسف :
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ). (يوسف / ٤)
تنبأ يعقوب مستقبل يوسف والحوادث المقبلة عليه فبشره : (يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ... وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ). (يوسف / ٦)
يعتقد بعض المفسرين أنّ يوسف رأى هذا في المنام وهو في الثانية عشرة من عمره ، وقد
__________________
(١). بحار الأنوار ، ج ٥٨ ، ص ١٦٧ و ١٧٧ و ١٧٨.