قدرة سماع ما يُنقل عنهم ، وبهذا فقدوا هاتين الوسيلتين المهمتين للمعرفة ـ السمع والبصر ـ من الناحية العملية وظنوا أنّهم في أمان من عذاب الله ، وقد حصل لهم هذا الظن من خِلال السير في الأرض ودراسة التاريخ والأقوام السالفة ، فما سمعوا عن تلك الأقوام بآذانهم ، ولا شاهدوا بأعينهم ، بل إنّ ابصارهم وآذانهم وأفئدتهم عاطلة عن العمل فحسبوا أن لا عذاب لهم.
إلّا أنّه بعد انقضاء وطر من الزمن أدركوا خطأهم والتزموا طريق التوبة ، وقد وسعتهم رحمة الله فقبل توبتهم.
ومرة اخرى خدعتهم ظنونهم الباطلة فظنوا أنّهم شعب الله المختار في أرضه (بل أبناء الله) ، فأسدلت ستائر العمى والصم والجهل على ابصارهم وسمعهم وطُردوا من رحمة الله تارة اخرى.
إنّ هذه الآية تبين بوضوح أنّ الظنون الباطلة وخاصة ظن الأمان من عذاب الله يجعل غشاوة على الباصر والمسع ويعطلهما عن العمل.
وعلى هذا ، فالمراد من «فعموا وصموا» هو أن أعينهم ما بصرت آيات الله والآثار الباقية من الأقوام السالفة ، وأنّ آذانهم ما صغت لمواعظ الرسل.
وبديهي أنّ اتباع الظن الباطل لمرة أو مرات لا يترك هذا المردود السلبي لدى الإنسان ، بل الاستمرار عليه هو السبب في ذلك.
وهناك أقوال في سبب عطف الجملة الثانية على الاولى ب «ثم» التي تدل على الفاصل الزمني.
فقال البعص : إنّ استعمالها للاشارة إلى مصيرين مختلفين لليهود ، أحدهما عندما هاجمهم أهل بابل ، والثاني عندما هاجمهم الإيرانيون والروميون وأسقطوا حكومتهم (١) ، وقد جاء شرح ذلك في التفسير الأمثل في بداية سورة بني اسرائيل.
وقال البعض : إنّ الجملة الاولى إشارة إلى عهد زكريا ويحيى وعيسى حيث خالفهم
__________________
(١). تفسير المنار ، ج ٦ ، ص ٤٨١.