جَنَوا ثمار مثل هذه الاستعراضات ولا يزالون ، وإنَّ العلماء والمفكرين الراسخين هم فقط القادرون على رفع هذه الحجب عن أفكارهم وأفكار غيرهم ، وتبيان الوجوه الحقيقية لهؤلاء الجبابرة.
* *
وقد بينت الآية الثالثة جانباً من جوانب مقارعة موسى للسحرة ، الذين دعاهم فرعون من جميع أرجاء مصر واغراهم بالكثير من الوعود ، والذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف من السحرة طبقاً لبعض الروايات ، وبخمسة عشر الف ساحر طبقاً لرواياتٍ اخرى (يحتمل أن يكون هذا العدد متعلقاً بنفس السحرة وأعوانهم وعمالهم ، كما ينبغي الالتفات إلى أنّ السحر كان رائجاً في ذلك العصر بكثرة).
وقد اجتمع لأجل ذلك جمعٌ غفير من الناس عند الضحى في يوم كان عندهم عيداً (كما عبّر عنهُ القرآن «يوم الزينة» و «ضحى» في الآية ٥٩ من سورة طه ، وقد كشفت القرائن عن أنّ فرعون كان واثقاً من انتصار السحرة على موسى عليهالسلام ، وذلك لأنّه كان قد سخر جميع وسائل الاعلام لخدمة هذه القضية.
تقول الآية : (فَلَمَّا الْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ).
وينبغي هنا معرفة مفردتي «الاسترهاب» و «السحر» جيداً لفهم الآية.
جاء «السحر» ـ لغة ـ بمعنيين ، الأول هو الخدعة ، والثاني هو الشيء الذي غمضت عوامله وكانت غير مرئية ، وقد أرجع البعض كلا المعنيين ، إلى معنى واحد وقالوا : إنّ حقيقة السحر هي قلب الشيء من حقيقته إلى شكل آخر (١).
وكما قلنا في المجلد الأول من التفسير الأمثل عند تفسير الآية ١٠٢ من سورة البقرة : أنّ السحر غالباً ما يعتمد على الخواص الكيمائية والفيزيائية للمواد التي لم يعرفها الناس إلّا أنّ السحرة يعرفونها جيداً وقد اعتمدوا عليها كلياً ، كما أنّه جاء في التفاسير حول قصة
__________________
(١). راجع قاموس اللغة ، ومفردات الراغب ، والتحقيق في كلمات القرآن الكريم ، وتاج العروس.