مقارعة موسى عليهالسلام للسحرة ، إذ يحتمل أنّ ما جاء به السحرة هو مجموعة من العصي والحبال الجلدية الجوفاء والمليئة بمادة الزئبق الفرّار ، وبما أنّ الحركة والتمدد الشديد من خواصه عند ارتفاع درجة حرارته ، فعندما ألقوا هذه العصي والحبال بدأت بالحركة والقفز والتقلص والانبساط بفعل حرارة الشمس أو الحرارة المنبعثة من المكان الذي يحتمل وجود مصدر حرارتي تحته (١).
وقد يستعين السحرة في عروضهم ـ أحياناً ـ بالشعوذة وخفة اليد ، فيرى الناسُ أشياءً لا واقع لها ، وقد شاهد كثير من الناس نماذج من هذه العروض ، وقد ينشرون مواد كيميائية خاصة عن طريق العطور وتبخير اعشاب معينة بحيث تؤثر على الحاسة الباصرة وحاسة السمع بل وحتى على اعصاب الحضور لتمثيل صورٍ غير واقعية أمامهم.
كما يحتمل أنّهم يستعينون بالتنويم المغناطيسي والتلقين بحيث تتمثل صور غير واقعية أمام الناس.
بالطبع هناك قسم آخر من السحر يحتمل استعانة السحرةُ به وهو تسخير الجن أو بعض الأرواح (وهذه خمسة طرق رئيسية للسحر).
وقد يطلق السحر على معنى أوسع من المعاني السابقة ، فيقال لمن حسن بيانه «له بيان ساحر» كما جاء في الحديث : إنّ الفتنة سحر ، لأنّها تفرق بين الأحبّة ، إلَّا أن الذي جاء في الآية هو «سحروا أعين الناس» وهو التلاعب بباصرة الحضور بحيث يجعلهم يرون اموراً لا واقع لها ، فيرون حية تسعى وإن لم يكن هناك حية أبداً ، والشاهد على هذا الحديث هو الآية : (فَإِذا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ الَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى). (طه / ٦)
(مع أنّها لا تسعى ولا تتحرك لكن الزئبق ـ احتمالاً ـ هو الذي جعلها تبدو هكذا).
وأمّا «استرهبوا» فمن مادة «رَهْب» وهو الخوف المتزامن مع التحفظ والاضطراب (كما
__________________
(١). راجع تفسير روح المعاني ، ج ٩ ، ص ٢٢ ؛ التفسير الكبير ١٤ ، ص ٢٠٣ ؛ تفسير روح البيان ، ج ٣ ، ص ٢١٣ ؛ تفسير المنار ، ج ٩ ، ص ٦٦ وتفاسير اخرى.