يقول الراغب في مفرداته) وقد فسر كثير من المفسرين الاسترهاب بالارهاب أي ايجاد الخوف والاضطراب ، والتعبير هذا يكشف بوضوح عن استعانتهم بوسائل الاعلام والتلقين إضافة إلى سحر (وغالباً ما يستعين السحرة بهذين الأمرين ، بل القسم الأعظم من موفقيتهم يرجع اليهما وإلى حسن القيام بهما).
وقد نقل أنّ مساحة المحل الذي عُدَّ لهذا الأمر كان ميلاً في ميل (١) ، كما نقل أيضاً أنّهم أعدوا جبلاً من الحبال والعصي التي تبدو وكأنّها أفاعي تسعى (٢).
ثم خاطب السحرة الناس بأقاويل مثل : أيها الناس ابتعدوا عن الساحة لكي لا تمسكم الأفاعي بضرر لأنّها خطرة ومخيفة! وأمثال هذه التعابير التي أُشير إليها في بعض التفاسير (٣) ، وقد تأثر بهم الناس كثيراً لأنّهم سحروا أعينهم وقلوبهم ، وبهذا ألقوا بحجبهم على حواس الناس وعلى عقولهم للحيلولة دون إدراك الحقائق والواقعيات.
* *
لقد كشفت الآية الرابعة عن احدى المؤامرات الاعلامية التي حاكها اليهود ضد الإسلام ، والتي كان هدفها تضعيف عقيدة المسلمين بالإسلام ، وقصتها : أنّ فريقاً منهم أسلموا وآمنوا ظاهراً في النهار وارتدوا عن الإسلام في الليل ، وعندما سئلوا عن سبب رجوعهم عن الإسلام قالوا : إنا لاحظنا صفات محمد صلىاللهعليهوآله من قريب فوجدناها لا تتطابق مع كتبنا الدينية وأحاديث علمائنا فرجعنا عنه.
إنّ هذه الحملة الاعلامية سببت في ارتداد قوم من المسلمين عن الإسلام ، إذ قالوا : إذا ارتدّ عن الإسلام أهل الكتاب الذين هم أفهم منّا ويعرفون القراءة والكتابة ، فلابدَّ وأنّ الدين باطل ولا أسس قوية له ، وبهذا استطاعوا أن يشوشوا على أفكار البسطاء من الناس
__________________
(١). تفسير روح المعاني ، ج ٩ ، ص ٢٢.
(٢). تفسير المنار ، وقد نقل هذا الحديث عن مفسر باسم ابن اسحاق ، ج ٩ ، ص ٦٦.
(٣). التفسير الكبير ، ج ١٤ ، ص ٢٠٣.