الذي كان يُعد علامة وبيان لشخصية صاحبه.
ثم انّه إذا كان صادقاً لِمَ لم يأتِ بملائكة معه كي تكون شاهداً وعلامة على صدق كلامه؟
وبهذه الحجج الأربع ادّعى بطلان نبوة موسى عليهالسلام.
يقول القرآن في هذا المجال : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فأَطَاعُوهُ).
إنّ «استخف» من مادة «خفيف» والمراد منه هنا هو أنّ فرعون سعى لأنّ يستخف عقول قومه ، جاء في تفسير مجمع البيان : إنّ فرعون استخف عقول قومه فأطاعوه فيما دعاهم إليه لأنّه احتج عليهم بما ليس بدليل وهو قوله : أليس لي ملك مصر ... الخ (١) (واستخفاف الطغاة للجماهير أمر لاغرابة فيه ؛ فهم يعزلون الجماهير أولاً عن كل سبل المعرفة ، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها ولا يعودون يبحثون عنها ؛ ويلقون في روعهم ما يشاؤون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة ، ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك ، ويلين قيادتهم ، فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين) (٢).
والجدير بالذكر أنّ القرآن يقول في نهاية الآية : إنّهم أطاعوه واستسلموا لإعلامه ، وذلك لأنّهم مذنبون وفاسقون ، وهو يشير بذلك إلى أنّ المؤمن الهادف والواعي لا يكون عرضة لظاهرة غسل الأدمغة ، بل الفسق والذنوب هي التي تهيىء الأرضية لتقبل إعلام باطل كهذا.
وبتعبير آخر : فإنّ «النفس الامارة» من الداخل ، و «الوساوس الشيطانية» من الخارج يتعاضدان فيكتمان المعرفة عن الإنسان.
* *
__________________
(١). تفسير مجمع البيان ، ج ٩ ، ، ص ٥١.
(٢). تفسير في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ٣٤٠.