هناك بحث بين المفسرين في المراد من «تزيين الشيطان» ، فيقول البعض : إنّه الوساوس الشيطانية التي تبدو المحاسن فيها قبائحاً والقبائح فيها محاسناً ، أو العوامل الخارجية التي تزين للإنسان سوءَ أعماله ، كما تُجعل المواد السامة في غلاف مُغرٍ وجميل ، وكما يُدعى للانحرافات الكبيرة تحت غطاء التمدن والأفكار النيرة والحرة.
وتحدثت الآية الثانية عن هدهد سليمان عندما قدم من رحلته إلى بلاد الملكة سبأ ، فبعد حكايته لقصة سبأ وحضارة بلادها العظيمة قال : (وَجَدْتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ).
إنّ هذه الآية تكشف عن أنّ الهدهد بالرغم من محدودية عقله وذهنيته الخاصة به وبعالمه يدرك بالاجمال حجب المعرفة ، ويعرف أنّ الشيطان يجعل ستاراً على فكر الإنسان يحول دون تمكنه من إدراك الحقائق ويغلق أبواب المعرفة عنه ويحول دون وصول الإنسان إلى مراده المنشود.
وقد بحثنا امكانية اطلاع الحيوانات على عالم الإنسان ، كما بحثنا مدى معرفتها لهذا العالم في تفسير الأمثل ذيل الآية ١٨ من سورة النمل ، وفي ذيل الآية ٣٨ من سورة الأنعام.
كما تحدثنا في ذيل الآية نفسها عن كيفية طي الهدهد المسافة الطويلة بين الشام واليمن ووصوله إلى بلاد سبأ.
* *
وقد تحدثت الآية الثالثة عن قوم عاد وثمود وطغيانهم وعصيانهم ثم هلاكهم ، كما عرضت على عرب الحجاز مدنهم الخربة التي يمرون بها عند رحلاتهم إلى الشام واليمن كعبرة لهم ، ثم أشارت إلى السبب الأساسي في إهلاكهم وهو تزيين الشيطان لأعمالهم بحيث ما كادوا يبصرون شيئاً ولا يعقلون رغم امتلاكهم للابصار والعقول ، وقد قالت الآية : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ اعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ).
إنّ عبارة (وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) ـ كما يقول كثير من المفسرين ـ تعني غفلتهم وعدم