تدبرهم في الحقائق بالرغم من امتلاكهم للعقول والحواس واقتدارهم على الاستدلال والتمييز بين الحق والباطل (١).
وقد جاء في تفسير الميزان : «إنّهم كانوا يعرفون طريق الحق بفطرتهم إلّاأنّ الشيطان زيَّن لهم أعمالهم فمنعهم عنه» (٢).
ويقول البعض : إنّ المراد من العبارة هو معرفتهم للحق بواسطة دعوة الأنبياء وتعاليمهم (٣).
إنّ الآية بجميع تفاسيرها (سواء قبلنا أحدها أو قبلنا الجميع لعدم المنافاة بينها) شاهد على ما قلناه من أن تزيين الشيطان يجعل حجاباً على عقل الإنسان وفكره.
* *
وقد بينت الآية الرابعة بصورة عامة مصير الذي يعشو عن ذكر الله ويغفل عنه وقالت : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمانِ ... وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).
ذَكر المفسرون وأئمة اللغة معنيين لفعل «يَعْشُ» ، فقال بعض : إنّه ظلام خاص يحلُّ في ا لعين يفقد الإنسان من جرائه بصره ويكون أعمى أو أعشى (أي لا يرى في الليل) وهو من مادة «عَشَى» ، كما يقال «عشواء» للجمل الذي لا يرى أمامه ويخطأ عند المشي ، وعبارة «خبط عشواء» إشارة إلى هذا المعنى.
وعلى هذا فيكون معنى الآية الشريفة هو : إنَّ الذي لا يرى آيات الله في الكون بعينه ، ولا يسمع من انبيائه ، فانه سيقع في فخّ الشيطان وتسويلاته.
وقال بعض آخر : إنّها من مادة «عَشْو» ، وعندما تستعمل مع «إلى» فتعني الهداية ببصر ضعيف ، وعندما تستعمل مع «عن» فتعني الإعراض (٤).
__________________
(١). تفسير مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ٢٨٣ ؛ تفسير روح البيان ، ج ٦ ، ص ٤٦٨ ، كما نقل هذا عن بعض المفسرين في تفسير القرطبي.
(٢). تفسير الميزان ، ج ١٦ ، ص ١٣١.
(٣). التفسير الكبير ، ج ٢٥ ، ص ٦٦.
(٤). يقول بعض المفسرين : إنّ هذه المفردة إن كانت من مادة (عَشَا ، يَعْشو) ، فتعني التعامي من دون أن تكون علة في ـ