أما سبب كون هذه الآيات عبرة للصابرين والشاكرين فقط دون غيرهم (ينبغي الالتفات هنا إلى أنّ «صبور» و «شكور» صيغةٌ مبالغةٌ ، الاولى تعني كثير الصبر والثانية كثير الشكر) ، فذلك لأجل أنّ دراسة دقائق هذه الحوادث وجذورها من جهة ، ونتائجها من جهة اخرى يحتاج إلى صبر وتأنٍ.
إضافة إلى هذا ، فانّه لا يستفيد من هذه الحوادث إلّاأولئك الذين يقدِّرون نعَم اللهِ ويشكرونه عليها ، وعلى هذا ، فالصبر والشكر أرضيتان ملائمتان للمعرفة والعلم.
كما يحتمل أن يكون تقارن الصبر مع الشكر لأجل أنّ هؤلاء مجهزون بالصبر عند المصائب ، وبالشكر عند النِعَم ، وعلى هذا فلا يركعون أمام المصائب ، ولا يغترون عند نزول النِعَم ، فلا يضِلون أنفسهم على أيّة حال ، فهم مؤهلون لتقبل المعرفة وأخذ العِبَر والدروس من هذه الحوادث العظيمة.
في الآية الثانية والرابعة جاءت هذه العبارة : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَآياتٍ لِّكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ) ، وقد ذُكِرَت بعد التعرض لحركة السفن في البحار والمحيطات التي تتم بايعاز من الله وبالاستعانة بالرياح فتطوي المسافات البعيدة وتصل إلى مقاصدها بسرعة.
بديهي أنّ هذا الموضوع هو إحدى آيات الله التكوينية ، وآية من آيات النظام الإلهي وقدرة الله.
لكن هل يا ترى يكون استثمار هذه الآيات الإلهيّة الموجودة في عالم الوجود وحتى الكامنة في هبوب الرياح ممكناً للجميع ، أو أنّه خاص بأُولئك الذين يدرسون ويتابعون نظام الخلق العجيب بدقة وصبرٍ وتأنٍ إلى المستوى الذي يتيح لهم العلم البشري فرصةَ الاستثمار ، ومن جهة اخرى فإنّ الدافع نحو «شكر المُنعِمِ» نفسه عامل للسعي والحركة في طريق المعرفة.
يقول «القرطبي» في تفسيره :
«والآية : العلامة ، والعلامة لا تتبين في صدر كل مؤمن إنّما تتبين لمن صبر على البلاء وشكر على الرخاء» (١).
__________________
(١). تفسير القرطبي ، ج ١٤ ، ص ٧٩.