وقد جاء في تفسير «روح البيان» :
«مبالغ في الصبر على المشاق فيتعب نفسه في التفكر في النفس والآفاق» (١).
والجميل هنا هو أنّ الهواء الذي يحيط بالكرة الأرضية من ألطف الموجودات ، وبالرغم من ذلك فهو عندما يتحرك ويتنقل فانه لا يحرك السفن العظيمة في البحار فحسب ، بل كذلك الغيوم التي تُعَدُّ ينابيعَ للغيث ، فيأخذ بها نحو الصحارى والأراضي الميتة فيحييها ، كمابانتقال الهواء الحار إلى المناطق الباردة والهواء البارد إلى المناطق الحارة تتهيأ الأراضي الميتة للحياة ، واضافة إلى هذا فإنّ الهواء يلقح النباتات كالزهور والأشجار ويحمل احياناً البذور فتُزرع في الأماكن التي تسقط فيها ، ألَمْ تكن هذه من آيات الله؟ ومن يمكنه استثمار هذه الآيات غير الصابرين والشاكرين؟
وقد جاء في حديث للرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله : «الإيمان نصفان نصفه صبر ونصفه شكر» (٢) وهذا الحديث تأكيد لما جاء في الآيات.
* *
وأخيراً فإنّ الآية الثالثة أشارت إلى قوم سبأ ، حيث شملهم التوفيق الإلهي فاستطاعوا أن يوجدوا سداً عظيماً بين الجبال في «اليمن» : وادخروا فيه الماء الكثير ، وتمكنوا من ايجاد بساتين كثيرة ، فغُمروا في النِعَم والفرح ، إلّاأنّهم سلكوا طريق كفران النعمة ، فتسلطت الأقوام المرفهة على الأقوام الضعيفة ظلماً وجوراً فَعَمَّ مساكنَهُم الخرابُ والدمار ، بحيث هلك الحرث والنسل لانفجار السد ، فتفككوا وتشتتوا بشكل حيث جعلهم الله أحاديث للآخرين (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) وأهلكهم جميعاً (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) ، ثم أضاف القرآن : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَآياتٍ لِّكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ).
وذلك لأنّهم يستخلصون الدروس والعِبر بدقتهم وتأنيهم.
__________________
(١). تفسير روح البيان ، ج ٧ ، ص ٩٨.
(٢). تفسير مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ٣٢٣ ؛ تفسير الكبير ، ج ٢٥ ، ص ١٦٢ ؛ تفسير المراغي ، ج ٢١ ، ص ٩٧ ؛ تفسيرالقرطبي ، ج ٥ ، ص ٣٥٧١ وتفاسير اخرى.