وبتعبير آخر : فإنّ جملة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) بمثابة بيان لسبب جملة (إِنَّ فِى ذلِكَ لَآيَةً) ، أي أنّ الالتفات إلى حقيقة العبودية والتوبة والإِنابة سبب للانتفاع بهذه الآيات (١).
وفي الحقيقة ، إذا ما درسنا حقيقة مفهوم العبودية ، رأينا لا يخلو من التوبة والإِنابة عند اقتراف الذنب.
* *
أما ثالث وآخر آية في البحث ، فقد أشارت مرّة اخرى إلى المصير الرهيب لقوم لوط ذلك المجتمع الذي بلغ من العار أَقصاه ، وسخر من جميع قيم الإيمان والإنسانية وغمر في وحل الفساد والفحشاء ...
إنّ الآية بعدما أشارت إلى تدمير مدنهم وتخريبها قالت : (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) يعتقد الكثير أنّ مدن قوم لوط كانت في الشامات قرب «البحر الميت» أو بين الشام والحجاز ، وكان يطلق عليها «المدائن المؤتفكة» ، ويقال : إنّه عندما زلزلت الأرض من مدنَهم هدمتها ، ثم نزلت عليهم أمطار من الأحجار ، وانشقت عندها الأرض شقاً نفذ فيه ماء «البحر الميت» ، وبدل هذه المدن إلى مستنقعات نتنة ، ولهذا يدعي البعض العثور على آثار من الأعمدة وغيرها من هذه المدن في أطراف البحر الميت.
وعلى أيّ حال ، فإنّ هذه الآثار الباقية ـ سواء كانت في اليابسة أو تحت المستنقعات الآسنة ـ درس وعبرة ، ولا ينتفع بهذا الدرس إلّاالذين يخافون عذاب الله ، ويشعرون بالمسؤولية (وتواجدت فيهم أرضية المعرفة).
وبتعبير بعض المفسرين :
آية العبرة هذه هي لُاولئك الذين من شأنهم أن يخافوه لسلامة فطرتهم ورقة قلوبهم دون من عداهم من ذوي القلوب القاسية فانهم لا يعتدون بها ولا يعدونها آية ودليلاً (٢).
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ٢٢ ، ص ١٠٤.
(٢) تفسير روح المعاني ، ج ٢٧ ، ص ١٣.