فمثلاً الحرارة والبرودة أمران نسبيان ، فكل شيءٍ حرارته أكثر من حرارة جسم الإنسان فهو حار ، وكل شيءٍ حرارته أقل من حرارة جسم الإنسان فهو بارد ، فإذا ما تغيرت درجة حرارة أجسامنا تتغير مفاهيم الحرارة والبرودة عندنا ، ولهذا قد يجلس شخصان في غرفة يشعر أحدهما بالبرودة فيطلب تشغيل المدفئة والآخر يشعر بالحرارة فيطلب فتح الأبواب.
بالطبع ، في هذا المجال توجد حقيقتان وهما درجة حرارة الجسم ودرجة حرارة الغرفة وتصورنا عن الحرارة والبرودة ينشأ عن المقارنة بين هاتين الحقيقتين فيختلف الحكم تجاه المسألة.
كما أنّ في العالم هناك حقائق ثابتة وحقائق متغيرة ، والأمثلة التي ذكرناها سابقاً وما شابهها تدخل تحت عنوان الحقائق الثابتة ، وحتى الماركسيون القائلون بتغير وتبدل الحقائق في العالم يستثنون حقيقة التحول والتغير كقانون ثابت ، ويعتقدون أنّ كل ما في العالم في تحولٍ وتغيّر مستمر إلّانفس قانون التحول والتغير فانّه ثابت دائماً (بالطبع هناك مجموعةً اخرى من القوانين يفرضون ثباتها اضافةً إلى هذا القانون).
وإذا تجاوزنا الأمر السابق فإنّ هناك «معرفةً إجماليةً» ومعرفةً تفصيليةً» هناك حقائق لا نعرف عنها إلّاشيئاً إجمالياً ، فلا معرفة لنا بخصائصها وعلاقاتها بالأشياء الاخرى في العالم تفصيلاً ، لكن عدم معرفتنا التفصيلية عنها لا يعني نفي المعرفة الإجمالية عنها.
فمثلاً العين جزء من الجسم ، وما لم نعرف الجسم بجميع أعضائه جيداً لا نتمكن من معرفة علاقة العين بأعضاء الجسم الاخرى ، لكن عدم معرفتنا للعين تفصيلاً لا يمنع من معرفتنا لها إجمالياً وأنّها تقع في الرأس وتحت الجبين ، ولها سبع طبقات ، وكل طبقة مهمّة خاصة بها ، وفائدتها رؤية المناظر واللقطات المتنوعة.
وبالنظر لما تقدم يتضح أنّ أدلة المخالفين لنظرية المعرفة نشأت من عدم دقتهم في التقسيمات السابقة ، فعندما يقولون : إنّ العالم كتلة واحدة ، وعدم معرفتنا لمفردة من مفرداته يفقدنا المعرفة بأي جزء منه ، فقولهم هذا خلطٌ في الحقيقة بين المعرفة التفصيلية والإجمالية ، لأنّا إذا أردنا معرفة جزءٍ ما في العالم بجميع علاقاته بباقي أجزاء العالم يجب