ويضيف لهم بأنهم ما أُوتوا من العلم إلّاقليلاً ، ولهذا فلا قابلية لهم لإدراك حقيقة «الروح» (١).
وفي هذه الآية إشارة واضحة إلى كون العلم البشري محدوداً (وذلك لأنّ الروح المقصودة فيها هي روح الإنسان) وهي أقرب شىء إلى الإنسان وذلك لأنّ الإنسان ما استطاع الاحاطة علماً بجوهر روحه التي هي أقرب إليه من الحقائق والموجودات في الكون ، وأنّ ما يعرفه عنها هو معرفة سطحية وإجمالية ، فكيف يمكنه معرفة حقائق العالم الاخرى؟!
* *
أمّا الآية الثانية والتي هي آخر آية من سورة لقمان ، تكشُف عن علوم خاصة بالله تعالى وأشارت إلى خمسة منها : قيام الساعة ، نزول المطر ، الجنين الذي في رحم الام ، الحوادث المستقبلية التي تتعلق بأعمال الإنسان والمكان الذي يموت فيه الإنسان ، وقد أُشير إلى هذه العلوم الخمسة في الروايات تحت عنوان «مفاتيح الغيب الخمسة» التي لا يعرف عنها أحد إلّا الله (٢).
وقد يعلم الإنسان علماً إجمالياً عن هذه الأمور الخمسة بالاستعانة بالقرائن ، إلّاأنّ الجزئيات لا تتضح لأحد أبداً ، فلا يعلم ـ مثلاً ـ ما هي قابليات الجنين الجسمية والروحية وهل هو جميل أم قبيح وأنّه سليم أم سقيم ، وحتى جنسه (المذكر والمؤنث) لا يمكنه معرفته إلى مراحل متأخرة من حياته في الرحم.
إنَّ القرآن يخاطب الإنسان في هذه الآية ويقول : يا أيّها الإنسان أنّك لا تعلم عن غدك شيئاً ولا تعلم في أي أرض تموت ، وعليه فكيف تتوقع أن تعرف عن جميع ما في العالم وعلمك محدود؟!
__________________
(١). إنّ جملة (ما أُوتيتم من العلم إلا قليلاً) فُسّرت من قبل أغلب المفسرين بكونكم أُوتيتم قليلاً من العلم ، إلّاأنّ البعض فسّرها بأنّ قليلاً منكم أُوتي علماً ، إلّاأنّ هذا التفسير الأخير يتنافى مع ظاهر الآية التي تجعل المشركين وأهل الكتاب السائلين عن الروح مخاطباً لها فتأمل.
(٢). تفسير مجمع البيان ، ج ٨ ، ذيل الآية ٣٤ من سورة لقمان.