وقد تحدثت الآية الثالثة عن تسبيح وحمد جميع الكائنات لله ، فجميعها بلسان حالها وبالنظام الدقيق والعجيب الذي يهيمن عليها ـ تحمد وتثني على الله وتشهد بنزاهته عن أي نقص وعيب ، وتملأ العالم بلسان حالها ـ أو بقولها إضافة إلى لسان حالها ـ بهمهمة التسبيح والتحميد ، وكل ذرة في هذا العالم بلا استثناء لها عقل وعرفان وشعور خاص بها ، تحمد الله وتثني عليه بمعرفة ، وقد شرحنا هذين الرأيين في التفسير الأمثل (١).
وعلى أيّة حال ، فنحن لا نستطيع فهم لسان حال الموجودات لأننا لا نعرف كل شيء عن أسرار هذا العالم ونظامه ، كما لا نستطيع فهم ما تقول أيضاً.
ومن هنا يتّضح أنّ العالم مليءٌ بالهمهمة والألحان الإلهيّة ونحن غافلون عن ذلك لأننا لم نحط به خبراً ، وهذا دليل واضح على كون علمنا البشري محدوداً.
* *
وتحدثت الآية الرابعة عن «الجهاد» وتقول للذين يكرهون الجهاد : أنتم تجهلون «الخير» و «الشر» ولا تميزون بينهما ، فانّكم أحياناً ما تكونون في حرب مع مصالحكم وقد تتقدمون نحو الشر حبّاً ورغبةً فيه ، وهذا دليل واضح على علمكم المحدود حيث إنّكم لا تميزون أحياناً بين ما هو شرٌ لكم وما هو خيرٌ لكم ، إلّاأنّ الله يعلم ذلك وقد اوضح بواسطة الوحي (الذي هو أحد مصادر المعرفة) وبيّنَ لكم ما فيه خير وما فيه شر.
إنّ الآية الخامسة مع إشارتها إلى عظمة خلق السموات والأرض أشارت إلى حقيقة أن خلقهما أعظم وأهم من خلق الإنسان ، وأشارت أيضاً إلى عدم معرفة أكثر الناس لهذه القضية ، هذا في الوقت الذي كانت فيه معلومات الإنسان بصورة عامة وفي الحجاز بصورة خاصة محدودة تجاه خلق السموات والأرض ، ولعلهم كانوا يتصورون النجوم آنذاك مسامير فضية في كبد السماء ، واليوم حيث توسعت معلوماتنا تجاه خلق السموات والأرض ، فانّها لا زالت محدودة.
__________________
(١). التفسير الأمثل ، ذيل الآية ٤٤ من سورة الاسراء.