فبعث الله إليه غمامة ، فقال : يا أيوب ، أدل بحجتك ، فقد أقعدتك مقعد الحكم ، وها أنا ذا قريب ، ولم أزل. فقال : يا رب ، إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي ، ألم أحمدك ، ألم أشكرك ، ألم أسبّحك؟». قال : «فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان : يا أيوب ، من صيّرك تعبد الله والناس عنه غافلون ، وتحمده ، وتسبحه ، وتكبره ، والناس عنه غافلون ، أتمنّ على الله بما لله فيه المنّة عليك؟ قال : فأخذ أيوب التراب ، فوضعه في فيه ، ثم قال : لك العتبى يا ربّ ، أنت فعلت ذلك بي. فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله ، فخرج الماء ، فغسله بذلك الماء ، فعاد أحسن ما كان ، وأطرأ ، وأنبت الله عليه روضة خضراء ، ورد عليه أهله ، وماله ، وولده ، وزرعه ، وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه.
فأقبلت امرأته ومعها الكسر ، فلما انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغير ، وإذا رجلان جالسان ، فبكت ، وصاحت ، وقالت : يا أيوب ، ما دهاك؟ فناداها أيوب ، فأقبلت ، فلما رأته وقد ردّ الله عليه بدنه ونعمه ، سجدت لله شكرا ، فرأى ذوائبها مقطوعة ، وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام ، وكانت حسنة الذوائب ، فقالوا لها : تبيعينا ذوائبك حتى نعطيك؟ فقطعتها ودفعتها إليهم ، فأخذت منهم طعاما لأيوب ، فلما رآها مقطوعة الشعر غضب ، وحلف عليها أن يضربها مائة ، فأخبرته أنه كان سببه كيت وكيت ، فاغتمّ أيوب من ذلك ، فأوحى الله عزوجل إليه : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) ، فأخذ مائة شمراخ ، فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه.
ثم قال : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) ، قال : فردّ الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء ، ورد الله عليه أهله الذين ماتوا بعدما أصابه البلاء ، كلهم أحياهم الله جميعا فعاشوا معه.