إبراهيم : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ، يعني من الأرض الطيّبة ، والأرض المنتنة (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) ، منكم ، يقول : لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته وصيامه وزكاته ونسكه ، لأن الله عزوجل أعلم بمن اتقى منكم ، فإن ذلك من قبل اللمم ، وهو المزاج (١).
أقول : يتحدث القرآن في ذيل الآية عن علم الله المطلق مؤكدا عدالته في مجازاة عباده حسب أعمالهم فيقول : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ)(٢).
وقوله (أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) إمّا هو باعتبار الخلق الأول عن طريق آدم عليهالسلام الذي خلقه من تراب ، أو باعتبار أن ما يتشكّل منه وجود الإنسان كلّه من الأرض ، حيث له الأثر الكبير في التغذية وتركيب النطفة ، ثم بعد ذلك له الأثر في مراحل نمو الإنسان أيضا.
وعلى كل حال ، فإن الهدف من هذه الآية أنّ الله مطّلع على أحوالكم وعليم بكم منذ كنتم ذرّات في الأرض ومن يوم انعقدت نطفتكم في أرحام الأمّهات في أسجاف من الظلمات فكيف ـ مع هذه الحال ـ لا يعلم أعمالكم؟!
وقال جميل بن دراج : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) ، قال : «قول الإنسان : صليت البارحة ، وصمت أمس ، ونحو هذا.
ثم قال عليهالسلام : «إن قوما كانوا يصبحون فيقولون : صلينا البارحة ، وصمنا أمس ، فقال علي عليهالسلام : لكنيّ أنام الليل والنهار ، ولو أجد شيئا بينهما
__________________
(١) علل الشرائع : ص ٦١٠ ، ح ٨١.
(٢) الأجنّة : جمع جنين : الطفل الذي في بطن أمّه ...