وقال داود بن كثير الرقيّ : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليهماالسلام: جعلت فداك ، أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ). قال : «نطق الله بهذا يوم ذرأ الخلق في الميثاق ، قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة.
فقلت : فسّر لي ذلك؟ فقال : «إن الله عزوجل لما أراد أن يخلق الخلق من طين ، ورفع لهم نارا ، وقال لهم : ادخلوها ، فكان أول من دخلها محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين وتسعة من الأئمّة إماما بعد إمام ، ثم أتبعهم شيعتهم ، فهم والله السابقون (١).
أقول : ثم يوضح ـ في جملة قصيرة ـ المقام العالي للمقرّبين حيث يقول سبحانه : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)(٢).
التعبير ب (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يشمل أنواع النعم المادية والمعنوية ، ويمكن اعتبار هذا التعبير إشارة إلى أن بساتين الجنة هي وحدها مركز النعمة والراحة في مقابل بساتين الدنيا التي تحتاج إلى الجهد والتعب ، كما أنّ حالة المقربين في الدنيا تختلف عن حالة المقرّبين في الآخرة ، حيث أنّ مقامهم العالي في الدنيا كان توأما مع المسؤوليات والطاعات في حين أن
مقامهم في الآخرة سبب للنعمة فقط.
ومن البديهي أن المقصود من «القرب ليس «القرب المكاني لأن الله ليس له مكان ، وهو أقرب إلينا من أنفسنا ، والمقصود هنا هو «القرب المقامي.
__________________
(١) الغيبة للنعماني : ص ٩٠ ، ح ٢٠.
(٢) الجار والمجرور الموجود في الآية (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ممكن أن يكون متعلق بما قبله يعني (المقربين) ، أو مرتبطة بحال محذوف جاء للمقربين وتقديره (كائنين في جنات النعيم) ، أو يكون خبرا بعد خبر.