وصفه بالسخاء والشجاعة ، والدليل على ذلك أنّه لو لم يكن في بيته أيُّ كلب ولا رماد ولا طول النجاد لا توصف الجمل بالكذب ، لعدم استقرار الذهن على المعنى الموضوع له ، بل يستقر على المعنى الثاني اللازم للمعنى الموضوع له.
وقد قلنا (١) نظير ذلك في الجمل الإنشائية المستعملة بداعي التعجيز والتمنّي والإهانة ، فهي وإن استعملت في البعث الإنشائي لكن المراد الجدّي شيء آخر وهو التعجيز والتمنّي والإهانة ، فيعد اللفظ كناية ، أي ذكر الملزوم وإرادة اللازم.
هذا كلّه حول الأمر الأوّل أي كونه مجازاً أو حقيقة أو كناية.
وأمّا الأمر الثاني : أي عدم لزوم الكذب فلما أفاده المحقّق الخراساني بأنّه إنّما يلزم الكذب إذا أتى بها بداعي الإخبار والإعلام لا لداعي البعث ، كيف؟ وإلاّ يلزم الكذب في غالب الكنايات ، فمثل زيد كثير الرماد ، أو مهزول الفصيل ، لا يكون كذباً إذا قيل كناية عن جوده ولو لم يكن له رماد أو فصيل أصلاً ، وإنّما يكون كذباً إذا لم يكن بجواد.
وأمّا الثالث : أي دلالته على الوجوب فالأظهر أنّه كذلك بشهادة أنّ الجملة تكشف عن شدة رغبته بالموضوع حتى يراه في الخارج مجسّماً موجوداً ، وهذا يكشف عن شدّة الرغبة وكثرة العناية بالموضوع ، مثلاً انّ الرجل في مقام دعوة ابنه إلى الصلاة يقول في مجمع : إنّ ولدي هذا يصلِّي ، فرغبته إلى إقامة الصلاة كانت على درجة يرى الصلاة بعينها في مستقبل أيّام الولد.
ومنه يظهر الأمر الرابع من أنّه آكد كما هو واضح.
إلى هنا تمّ الكلام في المباحث الثلاثة من الفصل الثاني ، وأمّا المبحث الرابع الذي عقده المحقّق الخراساني ، فنحن في غنى عنه ، لأنّنا أدرجنا مطالب هذا المبحث في المبحث الثالث.
__________________
١ ـ لاحظ ص ٣٠١ من هذا الجزء.