.................................................................................................
______________________________________________________
بدعوى : إنه ليس موردا للبراءة ؛ لأن المتعيّن فيه الرجوع إلى المرجحات ، ومع فقدها : يتخير.
وكيف كان ؛ فهو خارج عن المبحث لقيام الحجة المعينة على الترجيح أو التخيير عند تمامية أدلة العلاج ترجيحا أو تخييرا ، فإن أصالة البراءة تكون مرجعا عند عدم الدليل ، ومع وجود الدليل تعيينا ـ كما إذا كان أحد النصين راجحا على الآخر ـ أو تخييرا ـ كما إذا لم يكن لأحدهما ترجيح على الآخر ـ لا تصل النوبة إلى البراءة ، فالسبب والوجه لما صنعه المصنف «قدسسره» : أن تعدد المسائل بنظره إنما هو بتعدد جهة البحث ، فمع وحدة الجهة تتحد المسألة ولو مع تعدد الموضوع أو المحمول. وبما أن جهة البحث هاهنا واحدة يعم البحث ويشمل جميع ما فرض من الموضوعات المتنوعة ، ولا خصوصية لبعض تلك الموضوعات عن الأخرى ، في جهة البحث.
الثالث : بيان وجه حصر الأصول في الأربعة ، وهي : الاستصحاب والبراءة والاحتياط والتخيير. قيل : الوجه في ذلك أمران :
الأول : جريان الأصول الأربعة في جميع أبواب الفقه.
الثاني : عدم كثرة النقض والإبرام إلا في هذه الأربعة. ثم انحصار مجاري الأصول ومواردها وإن كان عقليا ؛ لأنه يدور بين النفي والإثبات ؛ إلا إن حصر نفس الأصول في الأربعة استقرائي ، بمعنى : أن الأصول التي تجري في جميع أبواب الفقه منحصرة فيها ؛ وإلا فالأصول التي ينتهي إليها الفقيه في مقام العمل أكثر من هذه الأربعة ؛ كقاعدة الفراغ ، وقاعدة التجاوز ، وقاعدة الطهارة ، وقاعدة الحلية ، وما أشبهها.
ولذا يقول المصنف «قدسسره» : «والمهم منها أربعة».
الرابع : إن الأصول العقلية ليست في طول الأصول الشرعية ؛ بل الجميع في عرض واحد ، ففي الظرف الذي يحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان يحكم الشرع برفع الحكم عن الجاهل.
نعم ؛ يظهر من صاحب مصباح الأصول : كون الأصول العقلية في طول الأصول الشرعية ، حيث قال : «فإن المكلف إذا لم يصل إلى الحكم الواقعي بالقطع الوجداني ولا بالتعبد الشرعي ، وعجز أيضا عن معرفة الحكم الظاهري تعيّن عليه الرجوع إلى ما يستقل به العقل من البراءة أو الاحتياط أو التخيير على اختلاف الموارد. وتسمى هذه القواعد بالأصول العلمية العقلية». «مصباح الأصول ، ج ٢ ، ص ٢٤٨». وظاهر كلامه