كان الاحتياط واجبا لما كانوا في سعة أصلا ، فيعارض به (١) ما دل على وجوبه ، كما لا يخفى.
لا يقال : قد علم به (٢) وجوب الاحتياط.
فإنه يقال (٣) : لم يعلم الوجوب أو الحرمة بعد ، فكيف يقع في ضيق الاحتياط من
______________________________________________________
وجوب الاحتياط المدلول عليه بمثل قوله «عليهالسلام» : «أخوك دينك فاحتط لدينك» (١) ؛ لظهوره في الترخيص من ناحية الإلزام المجهول ، فهو معارض لأدلة الاحتياط ، ولا وجه لتقديم أدلته على هذا الحديث ورودا أو حكومة كما سيأتي.
(١) أي : فيعارض بحديث السعة : ما دل على وجوب الاحتياط ، فلا ورود ولا حكومة له على حديث السعة ؛ إذ لا تعارض بين الوارد والمورود ، وبين الحاكم والمحكوم كما هو مبيّن في محله.
(٢) أي : قد علم بما دل على وجوب الاحتياط «وجوب الاحتياط» ، فيكون دليل الاحتياط واردا على «الناس في سعة» ، وهذا هو إشكال الشيخ «قدسسره» على الاستدلال بهذا الحديث.
توضيح الإشكال : أنه لا سعة مع العلم بالوظيفة الفعلية ؛ وإن كانت هي حكما ظاهريا ؛ كوجوب الاحتياط ، فإذا لم يعلم المكلف بشيء من الحكم الواقعي والظاهري فهو في سعة ، فموضوع السعة هو الجهل بمطلق الوظيفة ، وأما إذا علم بالوظيفة الفعلية ـ وإن كانت هي وجوب الاحتياط ـ فلا سعة له ؛ لأن العلم بها قاطع لعذره الجهلي ؛ وإن كان نفس الحكم الواقعي باقيا على المجهولية.
ومن المعلوم : أن المحدثين يدعون العلم بوجوب الاحتياط الذي هو وظيفة الجاهل بالحكم الواقعي ، فيخرج العلم بوجوبه عن الجهل وعدم البيان اللذين هما موضوعان للبراءة العقلية والشرعية ، حيث إن ما دل على وجوب الاحتياط بيان رافع لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وموجب للعلم بالوظيفة الفعلية الرافع للسعة والرخصة ؛ وإن كان الحكم الواقعي مجهولا بعد ؛ لما عرفت من : كفاية العلم بالحكم الظاهري كوجوب الاحتياط في رفع السعة ، وعليه : فلا يصح الاستدلال على البراءة بمثل حديث السعة لمعارضة أدلة الاحتياط ؛ بل هي واردة عليه.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح الإشكال على الاستدلال به على البراءة.
(٣) هذا جواب عن إشكال الشيخ «قدسسره».
__________________
(١) أمالي المفيد : ٢٨٣ / ٩ ، أمالي الطوسي : ١١٠ / ١٦٨ ، الوسائل ٢٧ : ١٦٧ / ٣٣٥٠٩.