وأما (١) ضرر غير العقوبة : فهو وإن كان محتملا ؛ إلا إن المتيقن منه فضلا عن محتمله ليس بواجب الدفع (٢) شرعا ولا عقلا ، ضرورة (٣) : عدم القبح في تحمل
______________________________________________________
التكليف الإلزامي أعني الحرمة ؛ حتى إذا لم نقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، فإن وجوب دفعه ـ بحكم العقل ـ إرشاد إلى عدم الوقوع في مخالفة الحكم الواقعي ، وليس وجوبا مولويا ، ومن المعلوم : أن ذلك الضرر يترتب على الفعل لو فرض حرمته واقعا ؛ كترتب الضرر الدنيوي على شرب ذلك المائع ، سواء قلنا : بوجوب دفع الضرر المحتمل أم لم نقل به.
(١) عطف على قوله : «لا احتمال لضرر العقوبة» ، يعني : وأما إذا أريد بالضرر الضرر الدنيوي دون العقوبة الأخروية ، فهو وإن كان محتملا عند ارتكاب الشبهة التحريمية ، ولا يرتفع احتماله بقبح العقاب بلا بيان ؛ لكنه لا يجب دفعه.
وقد أجاب المصنف عن توهم وجوب دفعه بوجهين ، أشار إلى أولهما بقوله : «إلا إن المتيقن ...» الخ.
وتوضيحه : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ٣١٥» ـ أن ما لا يكون ترتبه على التكليف مشروطا بتنجز التكليف ووصوله إلى المكلف ، بل يترتب على وجود الحكم واقعا ولو لم يصل إليه ، لا ينفك احتمال التكليف التحريمي عن احتمال الضرر ، وهذا الضرر وإن لم يمكن التخلص عنه بقاعدة قبح العقاب بلا بيان لكونه أجنبيا عنها بعد فرض الضرر أمرا غير العقوبة الأخروية ، لكن لا مجال أيضا للتثبت بقاعدة وجوب الدفع لإثبات لزوم الاجتناب عنه ؛ وذلك لأن شمول الكبرى ـ وهي وجوب دفع الضرر ـ للضرر الدنيوي المحتمل ممنوع ؛ بل لا دليل على لزوم التحرز عن الضرر الدنيوي المعلوم فضلا عن محتمله ؛ إذ لا قبح عقلا في تحمل بعض المضار الدنيوية لبعض الدواعي العقلائية ، فإن العقلاء مع علمهم بالضرر يصرفون الأموال ويتحملون المشاق لأجل تحصيل العلم أو كسب المال بالتجارة ، وليست الغاية معلومة الحصول لهم ؛ بل ربما لا تكون مظنونة أيضا.
وأما احتمال الضرر : فلا ينفك عن كثير من أفعالهم ، وهم لا يعتنون به أصلا وأما تحمل الضرر المعلوم أو المحتمل شرعا : فلا منع فيه ، بل قد يستحب في بعض الموارد ، وقد يجب في موارد أخرى.
(٢) كما حكى اعتراف الخصم به ، وضميرا «منه ، محتمله» راجعان على الضرر غير العقوبة.
(٣) تعليل لعدم وجوب دفع الضرر الدنيوي عقلا. وضمير «جوازه» راجع على