ولا يصغى إلى ما قيل (١) : من «أن إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرز عن
______________________________________________________
قوله : «فإنه كفى بيانا» تعليل للورود على حكم العقل ، يعني : فإن ما دل على وجوب الاحتياط كاف في البيانية على التكليف المحتمل لتنجزه به.
(١) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من الجواب عن أخبار التوقف والاحتياط.
والقائل هو الشيخ الأنصاري ، وقد أجاب بهذا الوجه عن خصوص أخبار التوقف ، فإنه «قدسسره» بعد أن أجاب عن تلك الأخبار ـ بحمل الأمر على الطلب المشترك بين الوجوب والندب أورد على نفسه إشكالا حاصله : استكشاف وجوب الاحتياط شرعا ، حيث قال ما هذا لفظه : «فإن قلت : إن المستفاد منها ـ يعني : من الأخبار ـ احتمال التهلكة في مخالفة كل محتمل التكليف ـ إلى أن قال ـ فيكشف هذا الأخبار عن عدم سقوط عقاب التكاليف المجهولة لأجل الجهل ، ولازم ذلك إيجاب الشارع الاحتياط ؛ إذ الاقتصار في العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهري بالاحتياط قبيح ، فيكون إيجاب الاحتياط طاردا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ لكونه بيانا.
ثم أجاب عنه بقوله : «قلت : إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرز عن العقاب الواقعي فهو مستلزم لترتب العقاب على التكليف المجهول وهو قبيح كما اعترف به. وإن كان حكما ظاهريا نفسيا : فالهلكة الأخروية مترتبة على مخالفته ؛ لا مخالفة الواقع ، وصريح الأخبار إرادة الهلكة الموجودة في الواقع على تقدير الحرمة الواقعية» (١). انتهى.
وحاصل الجواب : أن إيجاب الاحتياط لا يمكن أن يكون طاردا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
توضيح ذلك : إن إيجاب الاحتياط شرعا إن كان لأجل التحرز عن العقاب على الحكم الواقعي المجهول لكان قبيحا ؛ إذ على هذا كان العقاب على التكليف المجهول عقابا بلا بيان إذا المفروض : لا بيان له ؛ لأن إيجاب الاحتياط لا يرفع الجهل بالواقع ، فيكون العقاب عليه عقابا على المجهول ، وهو قبيح عقلا كما اعترف به المستشكل نفسه وإن كان إيجاب الاحتياط نفسيا ، لوجود ملاك في نفس الاحتراز عن الشبهة ومع الغض عن الحكم الواقعي المجهول : فاللازم ترتب العقاب على مخالفته لا مخالفة الواقع ، وهذا المعنى وإن كان صحيحا في نفسه إلا إنه غير مقصود للأخباريين ، حيث إنهم التزموا بدلالة أخبار التوقف والاحتياط في الشبهات لأجل الاحتراز عن الهلكة المحتملة المترتبة على الاقتحام في الشبهات ؛ لا لأجل الاحتراز عن مخالفة الاحتياط ، وهذا البيان
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٧١.