وهو (١) عقلا مما يصح أن يحتج به على المؤاخذة في مخالفة الشبهة ، كما هو (٢) الحال في أوامر الطرق والأمارات والأصول العملية ؛ إلا إنها تعارض بما هو أخص وأظهر ، ضرورة : أن ما دل على حلية المشتبه أخص ؛ بل هو في الدلالة على الحلية
______________________________________________________
بمصلحته ، وحينئذ : فإذا خالفه واتفق مصادفته للواقع استحق العقوبة على ذلك ؛ لصدق العصيان عليه بعد تنجزه على المكلف بإيجاب الاحتياط ، فالعقاب حينئذ على الواقع المجهول عقاب مع البيان ، وعليه : فتكون أدلة إيجاب الاحتياط واردة على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ لصلاحيتها للبيانية ، فلا يحكم العقل الحاكم بقبح العقاب بلا بيان وقبح العقاب مع إيجاب الاحتياط كما يحكم به بدونه.
(١) هذا الضمير وضمير «به» راجعان على الإيجاب الطريقي.
(٢) أي : كما يصح الاحتجاج من المولى على عبده على مخالفة الواقع بسبب الأمر بسلوك الطرق والأصول المثبتة ، ولا يقبح المؤاخذة عليها ، فكذا لا يقبح العقاب على المخالفة بسبب إيجاب الاحتياط ؛ لأن جميعها قد وضع طريقا لدرك مصلحة الواقع ، ومع ذلك فإنها كلها واردة على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، ولا فرق بين الاحتياط شرعا في الشبهة البدوية ـ إذا قلنا به ـ والاحتياط عقلا في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي.
وكيف كان ؛ فالحق في الجواب أن نقول : إن أخبار الاحتياط وإن كانت واردة على قاعدة قبح العقاب بلا بيان «إلا إنها تعارض بما هو أخص» منها «وأظهر». وضمير «أنها» راجع على أخبار الاحتياط المستفاد من قوله : «وما دل على وجوب الاحتياط» ، وهذا استدراك على قوله : «وإن كان واردا على حكم العقل» ، وإشارة إلى الوجه الثالث من الجواب عن تلك الأخبار.
وتوضيحه : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ٣٤٦» ـ أن أخبار الاحتياط ـ بناء على ظهورها في الوجوب المولوي ـ وإن كانت واردة على قاعدة القبح ؛ لصلاحيتها للبيانية كما عرفت ، ولا يبقى معها موضوع للبراءة العقلية ؛ إلا إنها معارضة بأخبار البراءة ، ويتعين تقديمها على أخبار الاحتياط لوجهين :
أحدهما : أخصية موضوع أخبار البراءة من موضوع أخبار الاحتياط ، ومن البديهي : تقدم الخاص على العام.
والآخر : أظهريتها في الدلالة على حلية المشتبه من دلالة تلك الأخبار على وجوب الاحتياط في الشبهات.
وأما توضيح الوجه الأول : فلأن ما دل على البراءة وحلية المشتبه مثل قوله : «كل