وفيه أولا (١) : أنه لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف (٢) والإشكال ؛ وإلا لصح (٣) الاستدلال على البراءة بما قيل من كون تلك الأفعال (٤) على الإباحة.
وثانيا (٥) : أنه تثبت الإباحة شرعا ؛ لما عرفت : من عدم صلاحية ما دل على التوقف أو الاحتياط للمعارضة لما دل عليها.
______________________________________________________
(١) أي : قد أورد المصنف «قدسسره» على هذا الوجه العقلي بوجوه ثلاثة :
أولها : ما أشار إليه بقوله : «إنه لا وجه للاستدلال ...» ، وهو راجع على منع المقدمة الأولى ، وهي استقلال العقل بالحظر.
وتقريب المنع : أن ما ذكرتم من كون الأصل في مسألة حكم الأشياء قبل الشرع هو الحظر حتى يبني عليه وجوب الاحتياط في مسالة البراءة والاحتياط غير مسلم ، لما عرفت من أنه أحد الأقوال الثلاثة فيها ، فمسألة أصالة الحظر بنفسها محل الخلاف ، ولا وجه لابتناء وجوب الاحتياط على ما هو بنفسه محل الكلام ومورد النقض والإبرام.
ولو صح ذلك لصح الاستدلال بالقول الثاني في مسألة حكم الأشياء قبل الشرع ـ وهو أصالة الإباحة ـ على البراءة في المقام ، فإن القائل بالبراءة في مشتبه الحكم استند ـ كما تقدم في بيان أدلته ـ إلى استقلال العقل بها ؛ لقبح العقاب بلا بيان ، وادعى أنها الأصل في الأشياء قبل الشرع.
(٢) وهو أن الأصل في الأشياء قبل الشرع هو الحظر أو الإباحة.
(٣) يعني : وإن صح للخصم الاستدلال بما هو محل الخلاف لصح لنا أيضا «الاستدلال ...» الخ.
(٤) أي : الأفعال غير الضرورية مما لا يدرك العقل حسنها أو قبحها.
(٥) هذا هو الوجه الثاني من وجوه إيراد المصنف على الوجه الثاني من الدليل العقلي على وجوب الاحتياط ، وهو راجع على منع المقدمة الثانية منه ، وهي عدم ثبوت إباحة ما اشتبه حرمته ، فيقال في توضيحه : إن الإباحة ثابتة شرعا ؛ لما عرفت من عدم نهوض أدلة التوقف والاحتياط للمعارضة مع ما دل على البراءة ، وتقديم ما دل على البراءة عليها ؛ لما عرفت : من أخصية وأظهرية أدلتها من أدلة التوقف والاحتياط.
هذا مضافا إلى وجود القرائن الصالحة لصرف ظواهر أوامر الوقوف والاحتياط من المولوية إلى الإرشادية كما تقدم بيانه تفصيلا. وعليه : فالإباحة ثابتة شرعا لمجهول الحكم ، ولا تصل النوبة إلى أصالة الحظر على فرض تسليمها. وضمير «عليها» راجع على الإباحة والبراءة.