وثالثا (١) : أنه لا يستلزم القول بالوقف في تلك المسألة للقول بالاحتياط في هذه المسألة ؛ لاحتمال (٢) أن يقال معه بالبراءة لقاعدة (٣) قبح العقاب بلا بيان.
وما قيل (٤) : من «أن الإقدام على ما لا تؤمن مفسدته كالإقدام على ما تعلم فيه
______________________________________________________
(١) هذا هو الوجه الثالث من وجوه إيراد المصنف إلى الدليل العقلي الثاني ، وهو راجع على منع الملازمة بين المسألتين ، فيقال في توضيحه : إنه بعد تسليم عدم ثبوت الإباحة شرعا ـ لا ملازمة بين القول بالوقف في مسألة حكم الأشياء قبل الشرع من الحظر والإباحة ، وبين القول بالاحتياط في مسألة البراءة ؛ بحيث يكون اختيار الوقف في تلك المسألة كافيا في ثبوت الاحتياط هنا ؛ وذلك لاختلاف المسألتين موضوعا ـ كما نسب إلى المصنف في بحثه الشريف ـ ضرورة : أن الموضوع في تلك المسألة فعل المكلف من حيث هو ، يعني : مع قطع النظر عن تشريع حكم له مجهول عند المكلف ، فيبحث هناك عن أن هذا الفعل من حيث هو هل يكون ـ في نظر العقل ـ محكوما بالإباحة أم بالحظر؟ بخلاف مسألة البراءة ، فإن الموضوع فيها هو فعل المكلف بما هو مجهول الحكم هل يحكم عليه شرعا بالإباحة أم بالاحتياط؟
(٢) تعليل لقوله : «لا يستلزم» ، وضمير «معه» راجع على «القول بالوقف في تلك المسألة».
(٣) تعليل لقوله : «أن يقال» ، يعني : من الممكن أن يكون القول بالبراءة مستندا إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان في هذه المسألة ، مع اختيار الوقف في مسألة حكم الأشياء قبل الشرع من الإباحة والحظر.
(٤) هذا إشارة إلى قول شيخ الطائفة «قدسسره» في عدة الأصول.
وغرض المصنف من ذكر كلامه هنا هو : دفع توهم عدم جريان البراءة العقلية نظرا إلى كلام شيخ الطائفة ؛ بأن يقال في تقريب توهم عدم جريانها : إن احتمال التكليف يلازم احتمال المصلحة أو المفسدة بناء على ما هو الحق من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ، وعليه : فمخالفة محتمل الحرمة توجب احتمال الضرر الناشئ من الملاك وهو المفسدة ؛ لأنها ضرر على المكلف ، ودفع الضرر المحتمل واجب فيجب ترك محتمل الحرمة ، ولا تصل النوبة إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ لأن قاعدة دفع الضرر المحتمل واردة عليها.
وعليه : فهذا التوهم مؤلف من صغرى وهي : «أن ارتكاب محتمل الحرمة لكونه محتمل المفسدة ضرر كارتكاب معلوم الحرمة».