الإشكال ؛ ولو قيل (١) بكونه موجبا لتعلق الأمر به شرعا ، بداهة (٢) : توقفه على ثبوته توقف العارض على معروضه ، فكيف يعقل أن يكون من مبادئ ثبوته (٣)؟
______________________________________________________
فالمتحصل : أن حسن الاحتياط عقلا لا يدل بقاعدة الملازمة على تعلق الأمر المولوي به أولا ؛ إذ الأمر المتعلق بالاحتياط كالأمر بالإطاعة الحقيقية إرشادي ، ومن الواضح : أن الأمر الإرشادي لا يصلح للتقرب به. هذا تمام الكلام في الوجه الأول.
وأما الوجه الثاني ـ وهو لزوم الدور ـ فلأن الحسن عارض على الاحتياط ، والاحتياط معروض له ، فيجب أن يكون الاحتياط مقدما على الحسن ؛ إذ كل معروض مقدم على العارض هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى : أن الاحتياط متأخر عن الأمر ، لأن الاحتياط يتوقف على الأمر ؛ إذ لو لا الأمر لم يكن الاحتياط احتياطا ، فكيف يمكن أن يؤثر الحسن المتأخر عن الاحتياط في الأمر المتقدم عليه.
وبتقريب آخر : أن الأمر يتوقف على حسن صلاة الجمعة مثلا ، وحسنها يتوقف على أن تكون الصلاة احتياطا ، وكونها احتياطا يتوقف على قصد القربة ؛ إذ بدون قصد القربة لا تكون صلاة. وقصد القربة يتوقف على الأمر فالأمر يتوقف على الأمر.
(١) هذا إشارة إلى الوجه الأول الذي عرفت توضيحه.
(٢) تعليل لقوله : «لا يكاد يجدي» ، وبيان للوجه الثاني وهو لزوم الدور. وقد عرفت توضيحه.
وضمير «توقفه» راجع على الأمر بالاحتياط ، وضمير «ثبوته» راجع على الاحتياط ، و «توقف العارض» مفعول مطلق نوعي ، يعني : أن الأمر بالاحتياط عارض على الاحتياط ، فيتوقف على ثبوت الاحتياط ؛ لكونه متأخرا عنه كما هو الحال في جميع العوارض بالنسبة إلى معروضاتها ، سواء كان ذلك في الوجود الخارجي كالبياض العارض على الجسم ، أم في عارض الوجود الذهني كالجنسية والنوعية في قولنا ؛ الحيوان جنس والإنسان نوع.
وبالجملة : فالأمر بالاحتياط لكونه عارضا عليه متوقف على الاحتياط ومتأخرا عنه ، فلا يعقل أن يكون الأمر من مبادئ وجود الاحتياط ومتقدما عليه.
(٣) أي : الاحتياط. واسم «يكون» ضمير مستتر راجع على الأمر ، يعني : كيف يعقل أن يكون الأمر من مبادئ ثبوت الاحتياط وعلل وجوده ، مع أنه متأخر عن الاحتياط كما عرفت وجهه؟.