.................................................................................................
______________________________________________________
الموضوعية وهذا التوهم ما أشار إليه الشيخ الأنصاري بقوله : «وتوهم عدم جريان قبح التكليف من غير بيان هنا ...» الخ. «دروس في الرسائل ، ج ٢ ، ص ٤٢٥».
وكلام المصنف في هذا الأمر يكون ناظرا إلى ما أفاده الشيخ «قدسسره» في ذكر هذا التوهم ودفعه.
وتوضيح التوهم بعبارة أخرى : أن أدلة البراءة الشرعية والعقلية لا تجري في الشبهة الموضوعية ؛ كالمائع المردد بين الخل والخمر ، ضرورة : أن وظيفة الشارع بما هو شارع ليس إلا بيان الكبريات مثل : الماء حلال ، والخمر حرام ، وقد بينها ووصلت إلى المكلف حسب الفرض ، وإنما الشك في الصغرى ، وهي : كون هذا المائع الخارجي مما ينطبق عليه متعلق الحرمة وهو الخمر مثلا أم لا؟ ومن المعلوم : أن المرجع في إزالة هذه الشبهة التي هي من الشبهات الموضوعية ليس هو الشارع ، وحينئذ : فلا يحكم العقل بقبح المؤاخذة على تقدير مصادفة الحرام ؛ بأن كان ما شربه من المائع المردد خمرا ؛ إذ لا تجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، ضرورة : انتقاض عدم البيان بصدور الحكم الكلي وعلم المكلف به ، وتردد متعلق التكليف بين شيئين لأمور خارجية غير مرتبط بالشارع حتى يرفعه ؛ بل على المكلف نفسه إزالة هذا التردد والاشتباه عن طريق الاحتياط ، وترك كل ما فيه احتمال الخمر.
كما لا يجري فيه مثل حديث الرفع لإثبات الترخيص الظاهري ؛ إذ الحديث إنما يرفع ما كان وضعه بيد الشارع ، وما يكون وضعه بيده هو إنشاء الحكم الكلي لا غير.
ثم قال الشيخ في دفع التوهم : «بأن النهي عن الخمر ...» الخ.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الأحكام الشرعية وإن كانت متعلقة بالموضوعات من دون تقييدها بالعلم أو الجهل ، والألفاظ وإن كانت موضوعة للمعاني كذلك ؛ إلا إن حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لم يكن مطلقا ؛ بل يتوقف على عدم البيان الواصل إلى المكلف الذي يوجب تنجز التكليف ، فإذا انتفى هذا القسم من البيان يحكم العقل بقبح العقاب ، سواء لم يبينه الشارع أصلا ، أو بيّنه ولم يصل إلى المكلف ، أو وصل ولم يعلم بتوجهه إليه لأجل عدم العلم بوجود موضوعه لا تفصيلا ولا إجمالا كما في المقام.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن العقل هنا يحكم بقبح العقاب لعدم تنجز التكليف ؛ إذ شرط تنجزه هو العلم بالموضوع والمحمول معا ، والمفروض : أنه لا يعلم بالموضوع.