.................................................................................................
______________________________________________________
وبعبارة أخرى : أن موضوع حكم العقل بقبح المعصية واستحقاق العقوبة عليها هو مخالفة التكليف المنجز المتوقف على إحراز كل من الصغرى والكبرى ، ومع الجهل بالصغرى يكون موضوع قاعدة القبح محققا ؛ إذ ليس المناط في حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان خصوص بيان الشارع حتى يمنع عن جريان القاعدة في الشبهة الموضوعية من جهة صدور البيان وعلم المكلف به ؛ بل المناط فيه قبح مؤاخذة من لم يتنجز التكليف في حقه ، سواء كان عدم التنجز لعدم بيان الشارع له أصلا ؛ كما في الشبهة الحكمية الناشئة من فقد النص أم لإجمال بيانه ، أم لمعارضته ، أم للشك في تحقق متعلقه ، أم في كون الموجود من مصاديق متعلقه كما في المقام ، ففي جميع هذه الموارد تقبح المؤاخذة ، فتجري قاعدة القبح.
وعليه : فمجرد العلم بالكبريات مثل : «الخمر حرام» ، أو «لا تشرب الخمر» غير كاف في تنجز التكليف على المكلف حتى يقال بحكم العقل بلزوم الاجتناب عن الأفراد المشكوكة ؛ كحكمه بلزوم الاجتناب عن المصاديق المعلومة. وعلى هذا : فينحصر امتثال الخطاب في موردين : أحدهما : العلم بفردية المائع الخارجي بخصوصه للخمر المحرم ، والآخر العلم الإجمالي بخمرية أحد الإناءين مثلا. وأما الخمر المشتبه بالشبهة البدوية : فلا يقتضي نفس الحكم الكلي وجوب الاجتناب عنه ؛ بل مقتضى أدلة البراءة جواز ارتكابه ، فلو ارتكبه المكلف فهو معذور في مخالفته لو صادف كونه خمرا واقعا. هذا غاية ما يمكن في توضيح التوهم ودفعه.
وظاهر كلام الشيخ «قدسسره» هو : جريان البراءة في الأفراد المشتبهة مطلقا ، والمصنف منع هذا الإطلاق ، وقال : إنه لا بد في جريان البراءة في الشبهات الموضوعية من التفصيل بين تعلق الحكم بالطبيعة نحو : «لا تشرب الخمر» ، حيث إن المطلوب ترك هذه الطبيعة ، وبين تعلق الحكم بالأفراد نحو : «لا تكرم الفساق» ، حيث إن المطلوب ترك إكرام كل فاسق ، فلا تجري البراءة في الأول فيما لو شك في فرد أنه خمر أم لا ؛ بل يجب الاجتناب عنه إلا إذا كان هناك أصل ، وتجري في الثاني فيما لو شك في فرد أنه فاسق أم لا فيجوز إكرامه.
وهناك احتمال عدم جريان البراءة في الشبهة الموضوعية مطلقا كما هو مفاد التوهم المذكور.