.................................................................................................
______________________________________________________
٤ ـ كون الملاك في التخيير بين الخبرين اهتمام الشارع بالعمل بالأحكام الشرعية وعدم إهمالها. ومن المعلوم : أن المقام أولى بالرعاية من الخبرين للعلم هنا بعدم خلوّ الواقع عن الوجوب أو الحرمة. وهذا بخلاف الخبرين ؛ لاحتمال كذبهما ، وكون الحكم الواقعي غير مؤداهما. هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب المقايسة من ناحية وحدة المناط في بعضها ، والأولوية في بعضه الآخر.
ولكن جميع هذه الوجوه ممنوعة :
أما الأول : فلأنه تخرّص وتحكّم على الغيب ، بل بناء على السببيّة لا مجال له كما ستعرف لأن التخيير يكون من باب التخيير بين الواجبين المتزاحمين ، وأي ربط لذلك بما نحن فيه.
وأما الثاني : فهو كالأوّل ، مع أن نفي الثالث قد لا يقول به الكل ، لا بهما ـ كما يراها الشيخ ـ لتبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجية كتبعيتها لها في أصل الثبوت. ولا بأحدهما ـ كما يراه صاحب الكفاية ـ لعدم تصور ما أفاده في تقريبه في محله فراجع. مع أن الكل يرى التخيير ولو لم يتكفل الخبران نفي الثالث.
وأما الوجه الثالث : فلأن الأولوية إنما تتم لو فرض ثبوت الموضوع لكل من الحكمين الواقعيين كثبوته للحكمين الظاهريين ، وليس الأمر كذلك بل هو حكم واقعي مردد بين الحكمين ، بخلاف الحكمين الظاهريين ، فإن كلا منهما واجد لموضوعه وهو الخبر التام الشرائط.
وكيف كان ؛ فقد أجاب المصنف «قدسسره» عن هذه المقايسة بأنها مع الفارق ، والقياس إذا كان مع الفارق كان باطلا ، فهذا القياس باطل.
وتوضيح الفرق يتوقف على مقدمة وهي : أن الأخبار إما أن تكون حجة من باب السببيّة ، وإما من باب الطريقية.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه على الأول يكون التخيير بين الخبرين المتعارضين على القاعدة ؛ لفرض حدوث مصلحة ملزمة في المؤدى بسبب قيام خبر على الوجوب ، وحدوث مفسدة ملزمة فيه بقيام خبر آخر على حرمة نفس ذلك المتعلق. ولما كان كل منهما مستجمعا لشرائط الحجية وجب العمل بكل منهما ؛ لكن استيفاء المصلحة والاحتراز عن المفسدة غير مقدور من جهة وحدة المتعلق ، فيقع التزاحم بين تكليفين تتعذر موافقتهما ، ويستقل العقل بالتخيير حينئذ مع التكافؤ ، لما تقرر في محله من أن