وقياسه (١) بتعارض الخبرين الدال أحدهما على الحرمة ، والآخر على الوجوب باطل ، فإن التخيير بينهما ـ على تقدير كون الأخبار حجة من باب السببيّة ـ يكون
______________________________________________________
وقد أجاب المصنف عن هذا التوهم أيضا بوجهين :
توضيح الوجه الأول : يتوقف على مقدمة قصيرة وهي : أن التشريع ـ وهو بمعنى إدخال ما لم يعلم أنه من الدين في الدين ـ محرم شرعا.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الالتزام بأحدهما المعين مع فرض عدم العلم به تشريع محرم ، مثلا لو التزم بالوجوب معينا ، مع فرض احتمال الحرمة كان تشريعا وإن كان الحكم الواقعي هو الوجوب ، ومن المعلوم : أن مفسدة التشريع لو لم تكن أعظم من مصلحة وجوب الالتزام فلا أقل من مساواتها لها ، فتسقطان بالتزاحم ، فلا يبقى ملاك للقول بوجوب الموافقة الالتزامية التفصيلية. هذا تمام الكلام في الوجه الأول من الجواب.
أما الوجه الثاني فحاصله : أنه ـ مع الغض عن محذور لزوم التشريع فيما إذا التزم بأحدهما معينا ـ لا دليل على وجوب هذا الالتزام التفصيلي مطلقا حتى فيما تمكن المكلف منه ؛ لابتنائه على مقدمة وهي : كون متعلق وجوب الموافقة الالتزامية خصوص العناوين الخاصة من الإيجاب والتحريم ، وعدم كفاية الالتزام بما هو الواقع.
ولكن هذه المقدمة ممنوعة ؛ لعدم مساعدة دليل عليها.
وببطلان الالتزام التفصيلي ظهر بطلان القول بلزوم البناء على الوجوب أو الحرمة.
(١) أي : قياس دور الأمر بين المحذورين «بتعارض الخبرين» ... الخ ، هذا الكلام من المصنف ردّ للوجه الثالث من الوجوه الخمسة المذكورة في المتن ، فلا بد أولا من بيان قياس الوجه الثالث «بتعارض الخبرين» ... الخ ، ثم بيان بطلان هذا القياس ثانيا.
وأما تقريب القياس فيمكن بوجوه :
١ ـ دعوى : أن الملاك في الحكم بالتخيير في مورد تعارض الخبرين هو مجرد إبدائهما احتمال الوجوب والحرمة ، وهذا الملاك موجود فيما نحن فيه ، فيسوى الحكم بالتخيير إلى ما نحن فيه.
٢ ـ دعوى : أن الملاك في التخيير بين الخبرين المتعارضين هو نفي الثالث ، وما نحن فيه كذلك.
٣ ـ أن رعاية الحكم الظاهري ـ وهو الحجية ـ يدل بالفحوى على رعاية الحكم الواقعي ، فإذا ثبت التخيير بين الحجتين وعدم طرحهما فثبوت التخيير بين الحكمين الواقعيين أولى.