العقاب بلا بيان. فإنه لا قصور فيه ـ هاهنا ـ وإنّما عدم تنجز التكليف لعدم التمكن (١) من الموافقة القطعية كمخالفتها ، والموافقة الاحتمالية حاصلة لا محالة ، كما لا يخفى.
______________________________________________________
الأمر بين طرفي العلم الإجمالي قد بيّن الحكم ، فقد يكون متعلق الحكم الواحد مرددا بين اثنين ، وقد يكون الشيء الواحد مرددا بين حكمين ، وفي كليهما قد بيّن الحكم في الجملة ، «فلا قصور فيه» أي : في البيان.
(١) وعدم التمكن غير عدم البيان ، ولذا نرى وجود البيان فيما لو دار الأمر بين وجوب هذا وحرمة ذلك ، فإن العقل يرى ذلك بيانا وموجبا لإتيان محتمل الوجوب وترك محتمل الحرمة ؛ إذ لا فرق بين تردّد الحكم بين الوجوب والحرمة ، مع وحدة الموضوع المردد فيه ـ كما في المقام ـ أو مع تعدد الموضوع كما في مورد العلم الإجمالي بوجوب شيء أو حرمة شيء آخر ، في وجود البيان ووجوب الاحتياط. وكيف كان ؛ فقوله : «فإنه لا قصور فيه ...» الخ. ردّ على القول بجريان البراءة العقلية في المقام.
وتوضيح الردّ : يتوقف على مقدمة وهي : أن تنجّز التكليف المصحح للعقوبة على مخالفته ـ يتقوم بأمرين :
أحدهما : وجود البيان على الحكم الشرعي ولو كان إجماليا ،
وثانيهما : قدرة المكلف على الموافقة القطعية ، سواء كانت تفصيلية أم إجمالية ، كالصلاة إلى أربع جهات.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه بانتفاء أحد الأمرين وإن كان ينتفي تنجّز التكليف ، ومقتضى انتفائه جريان قاعدة القبح ؛ إلا إن القاعدة مع ذلك أيضا لا تجري هنا ؛ لا لعدم البيان إذ البيان موجود ، لغرض العلم بالتكليف ولو إجمالا وهو مطلق الإلزام ، ولذا يكون منجزا إذا تعلق بأمرين كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال وحرمة شرب التتن ، فإن الاحتياط حينئذ بفعل الدعاء وترك الشرب لازم ؛ بل عدم جريانها إنما هو لعدم التمكن من الامتثال القطعي مع وحدة المتعلق بالاحتياط بالجمع بين التكليفين ، لامتناع الجمع بين الفعل والترك ، ضرورة : أنهما نقيضان ؛ كعدم التمكن من المخالفة القطعية لاستحالة ارتفاع النقيضين ، وإلا فالبيان وهو العلم بلزوم الفعل أو الترك موجود ؛ لكن لما كان متعلقهما واحدا لم يؤثر العلم المذكور في نظر العقل ، فيسقط عن المنجزية ، بخلاف ما إذا تعدد المتعلق حيث يكون الاحتياط ممكنا.
والحاصل : أن قبح العقاب في المقام مسلّم ؛ لكنه ليس لأجل عدم البيان بل لعدم