.................................................................................................
______________________________________________________
المعلوم بالعلم الإجمالي «ولذا استدل السيد أبو المكارم في الغنية (١) على تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة بما دل على وجوب هجر النجاسات في قوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(٢). ويدل عليه أيضا ما في بعض الأخبار من الاستدلال على حرمة الطعام الذي ماتت فيه فارة بأن الله سبحانه حرم الميتة ، فإذا حكم الشارع بوجوب هجر كل واحد من المشتبهين فقد حكم بوجوب هجر كل ما لاقاه ...» (٣).
وكيف كان ؛ فلا بد أوّلا من بيان ما استدل به على توهم وجوب الاجتناب عن الملاقي ، وثانيا من الجواب عن الاستدلال عليه.
وحاصل الاستدلال على التوهم هو : دعوى الملازمة بين المتلاقيين في الحكم ، وقد قيل في وجه ذلك أمران :
أحدهما : ظهور الآية المباركة في الملازمة بين وجوب هجر عين النجس والاجتناب عنه ، وبين وجوب هجر ما يلاقيه ، ولو لا هذا الظهور لم يتجه استدلال السيد أبي المكارم «قدسسره» ـ على انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة ووجوب الاجتناب عنه ـ بالآية الشريفة.
وجه الظهور : لزوم هجر النجس بتمام شئونه وتوابعه ، ومن توابعه ملاقيه فيجب هجره أيضا.
ثانيهما : رواية جابر الجعفي عن أبي جعفر «عليهالسلام» قال «أتاه رجل فقال : وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت ، فما ترى في أكله؟ قال : فقال أبو جعفر «عليهالسلام» : لا تأكله ، فقال له الرجل : الفارة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها ، فقال «عليهالسلام» : إنك لم تستخف بالفارة وإنما استخففت بدينك ، إن الله حرّم الميتة من كل شيء» (٤).
وتقريب دلالتها على المدعى ـ أعني به : كون نجاسته الملاقي للميتة عين نجاسة الميتة وحرمته عين حرمتها ـ هو : أن الإمام «عليهالسلام» علل حرمة أكل السمن الملاقي للميتة بقوله : «إن الله حرم الميتة من كل شيء» ، فلو لا أن وجوب الاجتناب عن الشيء مستلزم لوجوب الاجتناب عن ملاقيه أيضا لم يكن لهذا التعليل وجه ، ضرورة : أن أكل الطعام
__________________
(١) غنية النزوع : ٤٢.
(٢) المدثر : ٥.
(٣) فرائد الأصول ٢ : ٢٣٩.
(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٤٢٠ / ١٣٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٤ / ٦٠.