قضية (١) تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أيضا (٢).
ضرورة (٣) : أن العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه (٤) لا تنجز الاجتناب عن
______________________________________________________
الملاقي للميتة ليس استخفافا بتحريم الميتة ؛ بل هو استخفاف بحرمة أكل ملاقي الميتة الثابت بدليل آخر ، فالتعليل بحرمة الميتة لا يتجه إلا بكون حرمة ملاقي الميتة هي حرمة نفس الميتة.
والمتحصل : أن مقتضى هذا الأمر والوجه هو نجاسة الملاقي. وعليه فلا بد من الاجتناب عن ملاقي بعض أطراف الشبهة المحصورة.
هذا تمام الكلام في توضيح الاستدلال على توهم وجوب الاجتناب عن الملاقي.
فأما الجواب عن الاستدلال المذكور : فلمنع كلا الأمرين :
فأما الأمر الأول : فلأن الأمر بالهجر تعلق بعين الرجز ، لا بما هو أعم من العين والملاقي.
وأما الأمر الثاني : فلضعف الرواية سندا ودلالة.
وأما الأول : فبعمرو بن شمر ، حيث أن النجاشي (١) ضعّفه بقوله : «ضعيف جدا».
وأما الثاني : فبأن ظاهرها الملازمة بين حرمة الشيء سواء كان نجسا أم طاهرا وبين حرمة ملاقيه ؛ لأن الميتة المحرمة لا تختص بالنجسة وهي ميتة الحيوان الذي له نفس سائله ، وليس هذا هو المدعى الذي استدل عليه بهذه الرواية ؛ بل المدعى هو الملازمة بين نجاسة الشيء ونجاسة ملاقيه ، فالاستدلال بها على المطلوب منوط باختصاص الحرام بما إذا كان نجسا ، وأما إذا كان طاهرا ـ كميتة الحيوان الذي ليس له دم سائل ـ فلا يكون ملاقيه حراما وواجب الاجتناب ، وهذا خارج عن طريق الاستدلال بالرواية.
وعليه : فبعد قصور الدليل عن إثبات نجاسة الملاقي تعيّن الالتزام بمذهب المشهور من كون نجاسة الملاقي ووجوب الاجتناب عنه لأجل التعبّد الخاص ، لا لتبعيته للملاقى أو بمذهب المصنف من التفصيل بين الصور الثلاث كما عرفت توضيح ذلك.
(١) أي : أن مقتضى مثل : «والرجز فاهجر» هو الاجتناب عن النجس المعلوم إجمالا بين الطرفين ، وعن الملاقي لأحدهما ، فضمير «عنه» راجع على الملاقي.
(٢) يعني : كما يجب الاجتناب عن الملاقى.
(٣) تعليل لقوله : «لا مجال» وحاصله : منع الاقتضاء المزبور ، لما عرفت من بطلان مبنى هذا القول.
(٤) هذا الضمير وضمير «به» راجعان على النجس.
__________________
(١) رجال النجاشي : ٢٨٧ / ٧٦٥ ، خلاصة الأقوال : ٣٧٨ / ٦.