معلوما له ، وإنما كان الترديد لاحتمال أن يكون الأكثر ذا مصلحتين (١) أو مصلحة أقوى (٢) من مصلحة الأقل ، فالعقل في مثله وإن استقل بالبراءة (٣) بلا كلام ، إلا إنه خارج (٤) عما هو محل النقض والإبرام في المقام ، هذا (٥) مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلا بالأكثر.
بناء (٦) على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها ، وكون (٧) الواجبات الشرعية ألطافا في
______________________________________________________
(١) يعني : غير متلازمتين ، وإلا فيجري عليهما حكم الارتباطية ؛ لعدم قيام المصلحة بالأقل على فرض كون واجد الملاك واقعا هو الأكثر كما أشرنا إليه.
(٢) بلا ملازمة بين مراتب المصلحة المترتبة على الأقل والأكثر ؛ بحيث يمكن استيفاء مصلحة الأقل بدون مصلحة الأكثر.
(٣) للشك في تعلق خطاب نفسي آخر بالأكثر غير ما تعلق قطعا بالأقل.
(٤) أي : خروجا موضوعيا ؛ لأن محل الكلام هو الأقل والأكثر الارتباطيان ، وليس هذا منهما ؛ بل من الاستقلاليين اللذين لا إشكال في استقلال العقل بالبراءة فيهما لكون العلم الإجمالي فيهما صوريا لا حقيقيا ؛ لأنه من أول الأمر يعلم تفصيلا بوجوب الأقل ويشك في وجوب الأكثر ، فالتعبير بالانحلال فيهما مسامحة.
(٥) أي : ما ذكرناه من لزوم الإتيان بالأكثر عقلا في الارتباطيين ؛ لعدم انحلال العلم الإجمالي بالتكليف الدائر بين الأقل والأكثر.
ومحصل هذا الوجه : هو اقتضاء الغرض الداعي إلى التشريع ؛ لوجوب الاحتياط بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها كما عليه مشهور العدلية ، فإذا علم المكلف بأمر المولى المتعلق إما بالأقل وإما بالأكثر فقد علم بالغرض الملزم الوحداني المترتب عليه ؛ لاستلزام العلم بالمعلول للعلم بالعلة ، فيجب عقلا تحصيل العلم باستيفاء ذلك الغرض ، والاقتصار على فعل الأقل لا يوجب العلم باستيفائه ؛ للشك في كونه محصلا له ، فلا يجوز الاكتفاء به عقلا ، بل لا بد في إحراز الغرض اللازم الاستيفاء من الإتيان بالأكثر ؛ لكونه محصلا له قطعا.
وبالجملة : فالمقام من صغريات الشك في المحصل وهو مجرى قاعدة الاشتغال.
(٦) وأما بناء على حصول الغرض بنفس الأمر لا بفعل المأمور به وترك المنهي عنه ، فلا موجب للاحتياط حينئذ ؛ للعلم بحصول الغرض بمجرد إنشاء الأمر.
(٧) بالجر عطف على قوله : «تبعية». وحاصله : أن الواجبات الشرعية تقرب العباد