«صلىاللهعليهوآلهوسلم» : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (*). وقوله : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (**) ، وقوله : «ما لا يدرك كله لا يترك كله» (***) ، ودلالة
______________________________________________________
التكليف بتعذر بعض الأجزاء والشرائط ، بل يجب على المكلف الإتيان بما يتمكن منه ؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يتمكن المكلف من إتيان كله لا يجوز له ترك الكل ، بل عليه الإتيان بما يتمكن منه. وكذلك النبوي ظاهر في وجوب إتيان ما يتمكن منه المكلف من بعض الأجزاء بعد عدم التمكن من الجميع ؛ لأنه كلمة «من» في قوله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» : «فأتوا منه» ظاهرة في التبعيض إن لم تكن حقيقة فيه ، وكلمة «ما» في قوله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» : «ما استطعتم» ظاهرة في الموصولة ، فيدل النبوي على وجوب الإتيان بما هو المقدور من المركب. هذا مجمل الكلام في دلالة هذه الأخبار على المطلوب.
وأما تفصيل الكلام في دلالتها فنقول : إن المحتملات في الرواية الأولى ـ أعني : النبوي الشريف ـ هي أربعة :
الأول : أن تكون كلمة «من» تبعيضية بحسب الأجزاء ، ويكون المعنى : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا من أجزائه ما استطعتم» ، وهذا هو المطلوب في المقام.
الثاني : أن تكون كلمة «من» تبعيضية ، ولكن بحسب الأفراد ، والمعنى حينئذ : «فأتوا من أفراده ما استطعتم» ، وهذا خارج عن البحث في ما نحن فيه ولا ينفعنا في المقصود ؛ لأن الكلام في الميسور من الأجزاء لا الأفراد.
ويشهد لهذا الاحتمال : مورد الرواية ؛ لأن سؤال السائل كان عن وجوب الحج في كل سنة ، فكان سؤاله عن الأفراد لا عن الأجزاء.
الثالث : أن تكون كلمة «من» للتعدية بمعنى الباء ، فيكون قوله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» : «فأتوا به» نظير قولك : أتى به ، أو يأتون به ، والمعنى حينئذ : «فأتوا بالعمل ما استطعتم» ، والمقصود منه : تكرار العمل بقدر الاستطاعة ، وتكون الرواية ناظرة حينئذ إلى الأفراد أيضا.
الرابع : أن تكون كلمة «من» بيانية ، وكلمة «ما» موصولة ، فيكون حاصل المعنى : أنه إذا أمرتكم بطبيعة فأتوا ما استطعتم من أفرادها ، وهذه الاحتمالات متصورة في الرواية
__________________
(*) بحار الأنوار ٢٢ : ٣١ ، مسند أحمد ٢ : ٢٤٧ ، صحيح البخاري ٨ : ١٤٢.
(**) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.
(***) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.