.................................................................................................
______________________________________________________
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن انضمام حكم العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر ، مع ما دل على خلود الكافر في النار ينتج : أن يكون كل كافر إما عالما أو جاهلا عن تقصير ، فحينئذ : ما تراه قاصرا عاجزا عن العلم قد يمكن عليه تحصيل العلم بالحق ؛ ولو في زمان ما وإن صار عاجزا قبل ذلك أو بعده ، والعقل لا يقبح عقاب مثل هذا الشخص.
وأما قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) على نفي الجاهل عن قصور : فلأن الآية المباركة تدل على انفتاح الطريق إلى معرفة الحق في جميع الحالات ، والطريق هو الجهاد في سبيل الوصول إلى الحق ، فقد وعد الله تعالى في هذه الآية : أن كل من جاهد في الحق وتفحص عنه يهتدي إلى سبيل الهداية ويصل إلى مطلوبه وهو الحق.
فالمتحصل : أن الآية المباركة تدل على أن من جاهد في سبيله تعالى بتحصيل المعرفة به وبأنبيائه وأوصيائه «عليهمالسلام» فقد هداه الله تعالى وجعل له مخرجا ، فالمكلف إما عالم مؤمن وهو المجاهد في سبيل ربه لتحصيل المعرفة ، وإما جاهل مقصر كافر ، وهو التارك للمجاهدة بتحصيل المعرفة ، فلا وجود للقاصر.
وحاصل جواب المصنف «قدسسره» عن الأول ـ وهو حصر الناس في المؤمن والكافر ـ وجود القاصر في أصول الدين كما هو المشاهد والمحسوس «في كثير من النساء» والأطفال في أوائل البلوغ ؛ «بل الرجال» ، ولذا قال الشيخ «قدسسره» : «ولكن الذي يقتضيه الإنصاف : شهادة الوجدان بقصور بعض المكلفين» ، إلى أن قال : «مع ورود الأخبار المستفيضة بثبوت الواسطة بين المؤمن والكافر» (١) ، وتركنا ذكر تلك الأخبار رعاية للاختصار.
وأما الجواب عن آية المجاهدة : فلأنه ليس المراد من المجاهدة الواردة في الآية النظر والاجتهاد في تحصيل العلم والمعرفة ؛ بل هو المجاهدة مع النفس التي هي أكبر من الجهاد مع الكفار ، كما في حديث أن رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» قال لأصحابه : ـ بعد رجوعهم من محاربة المشركين ـ «قد بقي عليكم الجهاد الأكبر». قالوا : وما هو يا رسول الله؟ قال : «الجهاد مع النفس» (٢). فالآية أجنبية عن المقام.
وكيف كان ؛ فليس المراد من المجاهد في الآية المباركة : النظر والاجتهاد في المطالب
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٥٧٦.
(٢) الكافي ٥ : ٣٨٢ ، أمالي الصدوق : ٥٥٣ / ٧٤٠ ، وبلفظ : «مجاهدة العبد هواه» ؛ كما في فيض القدير ٤ : ٦٦٩ / ٦١٠٧ ، أو «جهاد القلب» كما في كشف الخفاء ١ : ٤٢٤ / ١٣٦٢.