يعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور. وقوله اللاحق : لكنني امتثلت أمر أمير المؤمنين ، وآثرت رضاه .. فلسوف نعرف : أنه (ع) يعرض هنا بالمأمون نفسه ، ويقول للناس جميعا : إنه لا يشك في أن المأمون سوف ينقض العهد ، ويحل العقدة.
ويلاحظ هنا أيضا : أنه وصف هذه العقدة بأنها مما أمر الله بشده ، وأحب إيثاقه .. وهذا لعله لا يختلف عما كان (ع) يردده ، ويؤكد عليه كثيرا ، ونص عليه آنفا ، وهو أن المأمون لم يجعل له إلا الحق الذي جهله غيره ، واغتصبه هو وآباؤه ، منه (ع) ومن آبائه ..
وإذا ما وصلنا إلى قوله (ع) : « .. بذلك جرى السالف ، فصبر منه على الفلتات ، ولم يعترض بعدها على العزمات ، خوفا من شتات الدين ، واضطراب حبل المسلمين ، ولقرب أمر الجاهلية الخ .. ».
فإننا نراه كأنه يستشهد لاطاعته المأمون ، وعدم اصراره على الرفض الموجب لتعريض نفسه ، والعلويين ، وشيعته للهلاك ، والاضطهاد ـ يستشهد لذلك ـ بما جرى لسالفه : وهو أمير المؤمنين علي (ع) ، حيث صبر على الفلتات (١) التي كانت من خلفاء عصره ، ولم يعترض (ع) على ما كانوا قد عقدوا العزم عليه ، من المضي قدما في مخططاتهم ، التي كانت تستهدف إبعاده عن مسرح السياسة ، وتكريس الأمر الواقع ، وتثبيته ، لأنه يخدم مصالحهم ، ويرضي مطامحهم ..
ـ لم يعترض علي (ع) على ذلك ـ لأنه خاف من شتات الدين ،
__________________
(١) ومن المحتمل جدا أنه عليهالسلام : يشير إلى تعبير عمر ـ كانت بيعة أبي بكر فلتة إلخ ـ. ولكنه عمم الكلام بحيث يشمل غير بيعة أبي بكر أيضا ؛ باعتبار أن بيعة عمر وعثمان ، ومعاوية وغيرها ، كانت أيضا من الفلتات ، أو باعتبار تفرعها على بيعة أبي بكر التي كانت فلتة ..