ثمّ إنّ ما عناه من البديهي غير واضح في المقام فان عنى به البديهي في اعتقاد العالم وان لم يكن بديهيّا عند غيره أو لا يعلم فيه حال الغير فقد نصّ في تحقيقه المتقدّم وكذا فيما حكاه من كلام الأمين الذي هو عنده من التحقيق المتين بعدم حجّيته.
وإن أراد به البديهي عند جميع العقلاء فهو ـ مع أنّه ممّا يتعذّر العلم به إلاّ على سبيل الحدس الّذي هو أيضا من العلوم الضّرورية المتوقف حجيتها على الاتفاق عليها عنده ـ مدفوع : بأن الاتفاق على الحكم بالبداهة لا يفيد الحكم بالصحة إلاّ من جهة توافق الأفهام وإستنباط مطابقته للواقع من قبيل الاستنباط من الإجماع ، وإفادته العلم في الأمور العقليّة محلّ إشكال ، وعلى فرضه ليس أقوى من سائر الضروريات ، فكيف يجعل معيار الحجّية غيرها من البديهيّات » (١). إنتهى كلامه رفع مقامه.
أقول : الظاهر إرادة المعنى الثاني والمرجع في تحصيله وتشخيصه وإن كان هو الحدس القطعي ، إلاّ أنّ الوجه في تخصيصه بالإعتبار عندهم حمل ما ورد في باب حجيّة حكم العقل عليه ، ولو من جهة الجمع بينه وبين ما ورد على المنع أو دعوى قلّة الاشتباه والخطأ في البديهيات وإن كان المرجع في تحصيلها الحدس القطعي فتدبّر.
نعم ، الايراد عليهم بعدم تعقّل الفرق في الاعتبار بين العقل البديهي والنظري المنتهى اليه بعد حصول العلم منهما لا رافع له ، ولو أريد عدم حصول
__________________
(١) هداية المسترشدين : ج ٢ / ٥٤٢.