دعوى كونه مقطوع العدم في بعض الموارد ممّا لا يعتدّ به العقل في إهمال ما أدركه من الجهات القطعيّة بظهور أنّ الإحتمال لا يعارض اليقين لا سيّما إذا كان بعيدا.
وليس في السّمع ما يدلّ على هذا الاشتراط لما سنبيّنه : من بطلان ما تمسّك به الخصم وعدم قيام دليل صالح له سواه ، ويدلّ عليه ظاهر قوله تعالى : ( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ )(١) وغير ذلك ممّا يأتي.
ومن هنا يتضح أنّه لو جهل العقل جهات التكليف وأدرك جهات الفعل ، حكم في الظّاهر بثبوت التكليف ، عملا بعموم الآيات وما في معناها من الأخبار.
ولأنّ قضيّة جهات الفعل وقوع التكليف ، على حسبها إن لم يعارضها مانع ، ولا يكفي إحتماله ؛ إذ المحتمل لا يصلح في نظر العقل لمعارضته المقطوع به.
وقريب منه : ما لو أدرك العقل بعض جهات الفعل المقتضية لحسنه أو قبحه وشكّ في وجود جهة قد تعارض تلك الجهة فانّه يحكم بثبوت التكليف على حسبها ولا يعتدّ بإحتمال الجهة المعارضة. إمّا لإصالة عدمها أو لحكم العقل بقبح الفعل والترك والحال هذه ، حكما واقعيّا وإن كان مبناه على الظاهر ، ولهذا يستحق الذّم عليه في حكمه ، وإن أنكشف بعده وجود الجهة المعارضة فيه ؛ فانّ ارتكاب القبيح الظاهري قبل انكشاف الخلاف قبيح واقعي كالحرام الظاهري.
ألا ترى أنّ من علم بوجود السمّ في أحد الانائين فتجرّى على تناول أحدهما من غير ضرورة مبيحة أنّه يستحق الذّم بذلك عقلا وإن تبيّن بعد ذلك أنّ
__________________
(١) الأنعام : ١٥٢.